أيها المُدلجُ في زيَّافةٍ * قصدتْ في سائقيها النجفا
إنْ توصَّلتَ إلى حامي الحِمى * في الغريينِ فأبدي الأسفا
قلْ لهُ: إن حسيناً قد قضى * في شفارِ الكفرِ محزوزَ القفا
لم يحفظ لنا التاريخ لهذه الشاعرة السيدة العلوية من آثارها سوى هذه الأبيات الثلاثة رغم أن المصادر أكّدت على أن لها أشعاراً كثيرة في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام) وهذا ما يدعو للأسف الشديد على ضياع هذا الإرث الأدبي المميز الذي دلت عليه هذه الأبيات التي هي من ضمن قصيدة في رثاء الإمام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
ولعل ممّا يزيد من هذه المأساة إن أغلب هذه الآثار التي ضاعت أو ضُيِّعت تمثل نماذج كبيرة في الأدب العربي وبجميع أبوابه ويستشفّ ذلك مما تبقّى من هذه النماذج التي عبّرت عن قدرات خلّاقة امتدت جذورها في عمق التاريخ حتى استطاعت أن تصنع لنفسها قاعدة في كل مجال وركيزة في كل فن وموقفاً عند كل فكر وبقيت هذه الآثار مادة مهمة لخلق أدب عربي واسع الآفاق شديد الصلة ملتزم الأهداف والغايات تستمد منه الأجيال نواة إبداعها لأنها عبّرت عن واقع الأمة الاجتماعي والفكري والسياسي وخاصة قضية أهل البيت (عليهم السلام) وأبدعت في كل تقديم نتاج متميّز في كل باب وصور رائعة في كل فن.
من أبرز الشخصيات التي ظلمها التاريخ وأضاع آثارها هي السيدة العلوية الشاعرة غزوة القزويني التي مثلت إنموذجاً نسوياً رائعاً وملتزماً بقضايا الأدب والشعر الموجّهة التي تخدم المجتمع وخاصة قضية أهل البيت, ولا نريد هنا أن نعالج الأسباب العديدة التي أدت إلى هذا الإهمال والغبن بحق الدور النسوي المتميز في المجتمع والتي كانت أبرزها النظرة المتخلّفة والضيّقة لمجتمع تسوده تقاليد وأعراف بالية وخاصة نظرته نحو المرأة.
ولدت الأديبة الشاعرة العلوية غزوة بنت السيد راضي ابن السيد جواد ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني في الحلة سنة (1285هـ/1896م)، ونشأت في بيت سامق ترفرف في سمائه أعلام الفقه والعلم والأدب وله تاريخ حافل بالمنجزات على هذه الأصعدة, جدّها السيد جواد كان أخاً للعالم الكبير المجتهد السيد مهدي الحلي القزويني المتوفى سنة (١٣٠٠هـ) والذي ترك كثيراً من التآليف والتصانيف والآثار العلمية والفقهية التي تضاف إلى كنوز هذه الأسرة العريقة.
نشأت العلوية غزوة نشأة علمية وأدبية في ظل هذه الأسرة ونهلت من معينها الصافي ووردت مواردها حيث عاشت طفولتها في بيت جدها بين أخوالها الأعلام أنجال السيد مهدي الحلي, فقد كانت أمها هي العلوية نازي بنت السيد مهدي الحلي وفي ظل هذه الأسرة شغفت بدراسة العلوم العربية والفقهية والأدبية واطلعت على الكتب والمصادر العلمية والأدبية وتتبعت مصادر الأدب والشعر بحكم بيئتها وتربيتها.
حفظت السيدة غزوة كثيراً من أخبار العرب وقصصهم وأشعارهم وهذا ما ولّد عندها حسّاً أدبياً مرهفاً وعميقاً كان نواة إبداعها ونشره حيث تعهّدت بتعليم وتدريس العديد من النساء من داخل الأسرة وخارجها وتربية جيل على العلوم والآداب وزاد من تعلقها بالعلم والأدب أن تزوجت من ابن خالها السيد أحمد بن الميرزا صالح القزويني والذي كان من العلماء الأعلام والأدباء الكبار والشعراء الأفذاذ فاستقت منه موارد الثقافة الواسعة وأصبحت بفضل هذه الأسرة علماً خفاقاً من أعلام المعرفة والفكر في وقت ساد الجهل والتخلف الأوساط الرجالية فضلاً عن النسائية فبقيت العلوية ترفد الجيل النسائي بفكر أهل البيت (عليهم السلام) حتى وفاتها عام (١٣٣١هـ).
محمد طاهر الصفار
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري