لم يعد الفرح يضج في بيتها وكأنه ملقى على كتف الموت, خفت صوتها, وما عاد لضحكتها حضور!
جلستُ على أريكة خشبية بمحاذاة الحديقة, و أنا أتأملها وهي تستأنف العمل بهمة, منذ مطلع الفجر!
كنتُ أنصت إليها بصمت مطبق, انفرجت شفتاي بابتسامة شاحبة, احتشدت على لساني الكلمات, ابحث عن جملة تسعفني لتربت برفق على قلبها المجمر؛ ولأرسم البسمة على وجهها الحزين.. كان اشبه بالهذيان المحموم, تقول اي شيء, وان كانت كلماتها مبهمة تائهة عن قافية السطور, حتى قالت:
- هل باستطاعة الورد ان يمنحنا جمالا من جماله؟
ويحولَ تضاريس الحزن التي اعتلت محيانا الى لوحة مفعمة بالحياة؟
هل يشعر بألمِنا حينما يخزنا, ويتفاعل مع أحاسيسنا؟
طرحت تساؤلاتها تلك وهي ترش الماء من الخرطوم عليه.
تابعت كلماتها بمرارة...
حينما ترخي الأحزان جدائلها, تلفنا الدموع وتُدمينا الآهات
فلا يعد للمكان متعة, ولا جمال, فنضيع بسراديب اليأس, ونقتل الروح بالصمت... الصمت الذي لم تُجيديه يوما؛ اراك اليوم تتفننين به؟!...
رمقتها بنظرة أسى, ما عساي القول فأنا شريكتها في المصاب, لم يكن ولدها عادل صديق لولدي, بل كانا كالأخوين.
كانت حديقتها الصغيرة تزهو بألوان الزهور بمختلف انواعها، والمتراصة مع بعضها البعض, قد ورثت رعايتها من ولدها الذي كان مولعاً بها.
حاولت حبس دموعها وهي تحثني على زرع شتلات ورد في باحة بيتي, ثم استطردت قائلة: اعرف ان الوقت لا يسعفك للاعتناء بها, غير ان ابنك احمد يحب عطر الورد والقداح, فقد كان يعمل بجد مع ولدي عادل في حديقتنا.
أطلقت من قلبها حسرة عميقة, وصارت كمن يسترجع شريط ذكرياته وهي تتأمل حمرة الورد وتشمه تماما كما ضمت بزة عادل الملونة بدمائه وتنفستها... واكملت جملتها قائلة:
- كان عادل يخصص يوم الجمعة لتنظيف الحديقة والاهتمام بها, يعشق قطرات الندى المنسكبة فوق اوراق الشجيرات والورد, اخبرني ذات مرة بانه ينتظر تلك القطرات بشغف لتغسل زهوره من كل شوائب الطبيعة فتكون نقية كشعاع الشمس الذي يتخللها، لا اريد لورد عادل ان يذبل او يموت, حتى تبقى ذكراه معنا تزدهر وتتفتح مع كل وردة اسقيها ويسقيها الخالق بقطرات الندى!
لحظات من السكون... لم تسعفني لأخبرها بأن احمد جهز الحديقة لزراعتها مع عادل حين عودته, غير انه لم يعد, وبقيت الارض كما هي منذ يوم استشهاده.
زهراء الكناني
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري