حينما لازمني المخاض لم أكترث للألم !..

كان جلّ همّي أن أحمله على صدري وأشمّه.

سمعتُ صوتَ الممرضةِ:

ــ هو بخير؟

ــ أجل..

أجابتها الطبيبة: هو بصحة جيدة

حملته الممرضة أمام عينيَّ.. ومنعتني من لمسه وتقبيله قبل أن تقوم بما يجب عليها القيام به نحوه, فوضعته تحت صنبور الماء كما لو كانت تغسل منديلاً, كانت روحي تخفق بين يديها ....

دثّرته بالمنشفة وألبسته ثوباً جميلاً ووضعته بجانبي فبدا كملاك صغير يغط في نوم عميق.

كنت أنتظر أباه ...أبحث عن الفرحة في عينيه, ومن خلف ضباب الوجع المنسي كان صوتي واهناً:

ــ هل هو جميل ؟

ــ كيف لا يكون جميلاً وأنتِ أمه..

ما زلت اذكر أول ابتسامة فاترة من ثغرٍ جميلٍ بلا أسنان..

 وأول (ماما) نطق بها أشعرتني بأن كتفي ينوء تحت وطأة عبء كبير..

كبر صغيري.. وكبرت معنا أحلامنا, كان حلمه أن يحلق في السماء كطائر حر مهاجر وهو يمسك بمقود الطائرة, وحلمي أن أعيد فرحة مولده بعدما دثرتها سنيّ الانتظار وأزفه ليلة عرسه..

 إلا إن فجر الحزن غيَّر ملامح أحلامنا, حيث احتضنت ملائكة الرحمن روحه لتحملها إلى عنان السماء بأجنحتها, ويغط مجددا في نوم عميق لا يستفيق منه هذه المرة ويلتحق بركب شهداء الطف بعدما لبى نداء المرجعية تاركاً حلمي وحلمه ..خلف أبواب التمني...

زهراء جبار الكناني