الحلقة الثانية

يعطينا هذا اللقب ــ الحزينة ــ والذي أطلقته الشاعرة على نفسها دلالة واضحة على معاناتها وحزنها ويشير إلى أن حياتها كانت مليئة بالنكبات والمآسي، كما نستشفّ من شعرها مدى الألم الذي كان يعتصر قلبها فلم تجد سوى الشعر لتعبر عما تعانيه من جوى فهو قنديلها الوحيد في عالم يسوده الظلام.

كانت تتأسى بمصائب المعصومين في مصائبها فلم تجد سواهم من تتلهف روحها الملتاعة إليه فصبّت التراجيديا العميقة في قصائدها فكانت عبارة عن آهة نابعة من القلب المفطور تقول في إحدى قصائدها:

ألا يـانـديـمـي خَـلّـني فـي غـلا صـدري   *   ألـمْ تـرَ سـيـلَ الـدمـعِ مـن مُـقـلـتـي يـجـري

إلـى اللهِ أشـكـو مـا أرى مـن أحـبّـتـي   *   لـيـالـيَ تـمـضـي فـي الـكـآبـةِ والـسـهـرِ

أبـيـتُ وأمـسـي بـيـن أهـلـي غـريـبـةٌ   *   ودارُ أبـي لـي صـارَ كـالـبـدوِ فـي الـقـفـرِ

فـكـمْ جـئـتـهـمْ حـبـاً لـهـمْ وكـرامـةً   *   وكـمْ رفـضـونـي فـي الـشـدائـدِ والـغـمـرِ

فـكـمْ مـن بـلـيَّـاتٍ أرى مـن جـفـائـهـمْ   *   وكـمْ مـن مـصـيـبـاتٍ يـقـلُّ لـهـا صـبـري

فـكـمْ مـن نـهـارٍ مـا تـفـرَّغـتُ سـاعـةً   *   وكـمْ مـن لـيـالٍ مـا رقـدتُ إلـى الـفـجـرِ

وإن مُـدَّت الأيـدي إلـيـهـمْ بـحـاجـةٍ   *   يـدي دون أيـديـهـمْ تُـردُّ إلـى نـحـري

بـلا جـهـةٍ مـن غـيـرِ أنّـي أحـبُّـهـم   *   ودادَ غـنـىً لا عـن تـمـلـقـةِ الـفـقـرِ

وإنـي بـحـمـدِ اللهِ ذاتَ اسـتـطـاعـةٍ   *   ولـكـنْ مـن هـجـرانِـهـم كـسـروا ظـهـري

لـداهـيـتـي سَـمَّـيـت نـفـسـي (حـزيـنـةً)   *   سـمـومُ بـلـيَّـاتٍ أذوقُ مـدى دهـري

تـلامـذتـي إن تـسـألـونـي عـبـارةً   *   لـكـثـرةِ أشـجـانـي أجـيـبُ بـلا أدري

وكـنـتُ لـغـورِ الـعـلـمِ خـائـضـةً بـه   *   كـمـا يـنـتـقـي الـغـوّاصُ الـدرَّ فـي الـبـحـرِ

فـربّـي كـفـيـلـي فـي الأمـورِ جـمـيـعُـهـا   *   عـلـيـهِ تـوكّـلـت وفـوّضـتُـه أمـري

في هذه القصيدة عبرت عن الوحدة القاتلة التي كانت تعيشها ويظهر أنها كتبتها في أواخر حياتها فهي تقاسي ألم الوحدة والغربة بعد أن عجزت عن خوض معترك الحياة فتقول:

الدهر أنزلني، ثم أنزلني، ثم أنزلني، حتى خوطبت بما يخاطب به المجوس واليهود وذلك بعد كبر سني وانحلال مفاصلي وانكسار عظامي وقد انعكس فيَّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الكبير في قومه كالنبي في أمته) تقصد إن أمته كذبوه وحاربوه ككل الأنبياء ثم قالت:

يـا ذلـةً بـعـد عـزٍّ كـنـتُ فـيـه مـدى   *   سـنـيـنِ أعـوامِ دهـري لـيـتَ مـا مـضـتِ

قـد عـشـتُ دنـيـايَ أيـامـاً قـلائـلـةً   *   مـن بـعـد مـا ضـحـكـتْ يـا طـولَ مـا بـكـتِ

فيا مجيب دعوة المضطر إذا دعاه استجب دعائي وعجل فنائي فلا صبر لي مما لقيت وألقى من أحبائي!!

محمد طاهر الصفار