الحلقة الرابعة.. (الحسد)

ندور في حواراتنا مع النفس في دائرة تتسع كل لحظة, نحاول جاهدين أن نكبح جماح سيطرتها علينا, ننجح تارة ونفشل في أخرى ونحن نتواجه في مضمار صرع الرغبات, والغاية هي تسييرها بل وترويضها حينما تحثنا على التصرف بما يتلائم واهواءها, وسلاحنا في مجاهدتها هو العقل الواعي, وتدبرنا قبل وبعد كل تصرف لدراسة أبعاده.

كان لي صديق يسكن جوار بيتنا؛ لم نفترق منذ الطفولة دخلنا المدرسة الإبتدائية سوية ومرت السنين حتى وصلنا الى المرحلة الاعدادية.

كان صديقي محط انظار الاهل والجيران والاصدقاء كونه يتحلى بصفات حميدة جمة, وكان يفوقني بالدراسة في كل مرحلة ودرجاته اعلى من درجاتي ..

بدأ موضوع تفوقه عليّ واهتمام الجميع به حتى أهلي لا يروق لي وصرت أمتعض كثيراً حين يمر ذكر تفوقه بالدراسة.

 هنا وجَدتْ نفسي فرصة سانحة لتحدثني بما ترمي إليه وكان حديثها:

"ستأتي الامتحانات وصديقك كعادته يسطر أعلى الدرجات وسيزداد لمعانه بين الجيران والأهل والأصدقاء ولن يأبه لك أحدا سيما اهتمامهم بدرجاتك" !

واقعا أثارني حديثها كثيرا وبت أتمنى أن لا يبق على هذا المستوى من التفوق وصرت أنظر إليه بامتعاض وأتمنى أن يزول كل ما عنده بأي وسيلة !

مرت الأيام وأنا على نفس الشاكلة وقربت الامتحانات فذهبت إليه في أحد الأيام لنذهب كعادتنا إلى دوامنا فقال لي أخوه الأصغر إنه مريض ويرقد في الفراش!

ما إن سمعت خبر مرضه حتى دب الفرح بداخلي وكدت أطير فرحا وكأني نسيت إننا اصدقاء من الطفولة ونكن لبعضنا كل الحب والاحترام !!

تحدد موعد الامتحانات وصديقي لم يأت بداعي  المرض, وأنا غير مكترث حتى مر أكثر من امتحان وصرت أذهب وارجع بمفردي إلى أن صادفني يوما حين رجوعي من الامتحان أحد زملائنا وسألني عنه وقال :

- كيف أصبح صديقك ؟

أجبته:

- لازال مريضا

قال لي:

- ظننته شفي لأني لا أرى عليك معالم للحزن عليه وهو حسب علمي مقرب جدا إليك !

حديث زميلي هذا أيقضني من غفلتي  وعدت أحدث نفسي  وقلت لها بكل غضب :

- أ رأيتِ ماذا فعل حديثك بصديقي... ها هو مرمي بفراشه وقد أفل نجمه ولا احد يكترث له ولتفوقه !

ما الضير لو أني تمنيت أن اكون مثله مع الحفاظ بما يتمتع به من تفوق؟

ما يضرك ذلك ؟!

لم تجب نفسي على تساؤلاتي.. بل صمتت طويلا لأنها حققت غايتها وهي زوال الخير الذي كان يتمتع به صديقي بما يلحقه هذا الزوال من ضررٍ بالغ!

ولكن الذنب ذنبي لأني أطعتها وعلي أن احترز من حيلها في الأيام المقبلة.......

أحمد الزبيدي