في عالم اليوم، حيث تتسابق الأخبار والصور والمقاطع لتملأ شاشاتنا، تتصدر كلمة واحدة أحاديث الناس: "الترند"، ذلك التيار الجارف الذي يفرض نفسه على العقول قبل الأعين، ويغري القلوب ببريقه السريع وعمره القصير، لا يكاد يظهر حتى ينتشر انتشار النار في الهشيم، وكأن العالم كلّه قد اتفق على متابعة أمر واحد، بغض النظر عن قيمته أو أثره.

ولكن، خلف هذا البريق، تختبئ أسئلة لا تُطرح كثيرًا: من يصنع هذا الترند؟ ولماذا يُدفع إلينا بهذه السرعة؟ وهل كل ما يلمع يستحق أن نتبعه؟ هنا تكمن خطورة الظاهرة، إذ كثيراً ما يُقدَّم المحتوى في ثوب لطيف ومرح، بينما يخفي في داخله رسائل غير بريئة، وأفكاراً لا تنسجم مع قيم الفتاة المسلمة الحافظة لحيائها، إنه "السم في العسل"، حيث يتسلل التنازل عن المبادئ من باب التسلية، ويصبح الانحراف أمراً مألوفاً لأننا اعتدنا مشاهدته.

الفتاة المؤمنة ليست مجرد متلقية لما يُعرض أمامها، بل هي صاحبة وعي وبصيرة، تعرف أن قيمتها لا تقاس بعدد المشاهدات، وأن شخصيتها لا تُبنى على تقليد كل ما هو شائع، وأن الاقتداء الأعمى "بالترند" يحرم الإنسان من بصمته الخاصة، ويفرغ روحه من التميز الذي أراده الله له، والحاملة لراية العفة، التي تتخذ من السيدة زينب (عليها السلام) قدوة، تعلم أن القوة الحقيقية ليست في مجاراة التيار، بل في الثبات على الحق حين يتخلى عنه الآخرون.

إننا نحتاج اليوم إلى أن نصنع "ترندنا" الخاص، ترند القيم والعلم والحياء، ترند الكلمة الهادفة والصورة النظيفة والمحتوى الذي يرفع لا يهبط، فالترند الحقيقي ليس ما يتصدر الشاشات ليوم أو يومين، بل ما يُخلّد أثره في القلوب، ويترك بصمة خير في المجتمع.

 

فلنسأل أنفسنا قبل أن نشارك في أي موجة: هل يرضى الله عن هذا؟ هل يعكس هويتي كفتاة مقتدية بأهل البيت (عليهم السلام)؟ هل يخدم مستقبلي أم يفرغه من المعنى؟ حين نمتلك الشجاعة للإجابة بصدق، سنكون قد وضعنا أقدامنا على طريق الوعي، وحمينا قلوبنا من كل سمّ مغلف بعسل الشهرة.

ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يتصدر الشاشات يستحق أن يدخل قلوبنا وعقولنا، أيتها العزيزة، اجعلي وعيك بوصلتك، وقيمك حصنك، فالعالم مليء بأمواج "الترند"، لكن الميناء الآمن لا تصل إليه إلا من أمسكت بدفة إيمانها بإحكام، وأدارت ظهرها لكل سمّ دسّوه في عسل الشهرة.