الكاتب: أ. د. عبد الكريم بكار

عدد الصفحات: 145 صفحة

الفئة: تربوي - ثقافي


إن الكمال البشري والتقدم الإنساني منوطان بمدى الإشباع للحاجات البشرية والروحية والنفسية، فتلبية حاجات الجسد من أجل البقاء في الحياة شيء مهم، ولكن الأهم هو تلبية حاجات الروح والعقل لفهم معاني الحياة ومعاني الدين والعبادة، ومن أجل السعادة كذلك والارتقاء، ومن أجل ذلك لا بد من دمج مفهوم القراءة داخل العائلة منذ نعومة أظفار الصغار لتنشأ كجزء من هويتهم الشخصية.


ومن محفزات القراءة للأطفال عدة أمور نوجز منها:

السنوات الست الأولى هي السنوات الحاسمة في تشكيل رغبة الطفل وميوله، لهذا فإن الاهتمام بتحبيب القراءة إليه في هذا السن مهمة للغاية، فهي ليست من الأمور التي تولد مع الطفل، إنما تنشأ نتيجة البيئة المحيطة.

ممارسة القراءة في وقت مبكر لها علاقة كبيرة بالتفوق الدراسي في مراحل مختلفة، وذلك لأن النبوغ والإبداع يكون واضحاً على الطفل مقارنةً بأقرانه، ولا يقتصر على دراسة المنهاج الدراسي بل يكون لديه شغف خاص وعلاقة قوية مع الكتاب.

الاستمرار في القراءة يفتح أمام الطفل باباً واسعاً للرقي المعرفي والروحي، ويوسّع مداركه، ويحسن قدرته على الخيال، خاصةً أن بعض الكتب تبعث في روح الأطفال طموحات عالية وتغرس فيهم أحلاماً كبيرة، ويصبحون مؤثرين وفاعلين في مجتمعهم، إذ نلاحظ أن الطفل القارئ لديه ثقة عالية في نفسه ويتصرف برزانة وحكمة.

تشير الدراسات إلى أن ترسيخ هذه العادة يبدأ من سن مبكرة، منذ وجود الجنين في بطن أمه، فهو يسمع، وحين يبلغ الشهر السابع فإن تعرضه لسماع معلومات منظمة يجعل تفتحه الذهني أفضل في المستقبل، فعندما يكون الطفل رضيعاً من المناسب أن تقصّ الأم على مسمعه قصة لدقيقتين، ويُستحسن أن تكون جملها قصيرة وذات إيقاع محدد.

أما في عمر الثلاث سنوات، فإن مدة القراءة تصل إلى خمس دقائق، لأن قدرة الطفل على الإصغاء والتركيز ما زالت محدودة، والأفضل أن تدور القصص والحكايات حول أشخاص وأشياء يعرفها، فذلك يساعده على فهم واستيعاب القصة.

وحين يبلغ الطفل خمس سنوات، فإنه يكون مستعداً لأن يسمع أكثر، وفي إمكان الأم أن تسرد حكايات تمتد لعشر دقائق، لكن ذلك يعتمد على انتباه وحماس الطفل، فإذا شعر بالملل لا بد من ختام القصة، كما أن هذه الفئة العمرية تحب الحكايات التي تُحكى على لسان الحيوانات، أو التي فيها أبطال.

علماً أن هذه الفئة العمرية لا تفرق بين الخيال والواقع، لكن في عمر الست سنوات، فإنه يكون قادراً على سماع الحكايات ولو امتدت إلى ربع ساعة، ويُبدي الطفل في هذا السن اهتماماً شديداً بالقصص الخيالية والهزلية.

والأفضل أن تكون قصصاً فيها مرح، فالضحك هو قوت الروح، والطفل حين يضحك يخف التوتر لديه ويشعر بالامتنان لمن يضحكه، وكذلك يبدأ بالتفريق بين الخيال والواقع، وهذا أفضل سن لترسيخ الفضائل عبر الحكايات مثل الكرم والشجاعة والمثابرة والصدق في نفس الطفل.

ويُستحسن أن تتناول الأمهات مبادئ التوحيد والإيمان وتعريف الطفل بالعبادات من باب الحب لله، وليس الخوف والترهيب.

ويؤكد الكاتب على أهمية مشاعر الأبوين حين يقرؤون للطفل، فلا بد أن يكونوا مرتاحين لنقل هذا الشعور للطفل، فإذا وجدتَ نفسك متعباً أو مهموماً أجِّل القراءة لوقت تكون فيه مرتاحاً، ولا تنسَ الوقت أبداً، فالصغار لا ينسون، لأن القراءة ونحن نشعر بالملل أو التعب تجعلها غير ممتعة، ونكون قد أرسلنا للطفل رسالة مفادها أن نشاط القراءة ثقيل وعملية مملة.

إن الكتب المناسبة للأطفال لا بد أن تتسم بسمتين: الفائدة والمتعة.

الفائدة مهمة لأن الطفل في حالة تكوّن وتشكل على المستوى الروحي والعقلي والبدني.

المتعة لأن الطفل إذا لم يستمتع بما يقرأ أو يسمع، فلن يستمر في القراءة والإصغاء، فالمتعة مطلوبة لإبهاج الروح والإحساس بجمال الحياة.

ولكي تكون الكتب مناسبة للأطفال، يمكن مساعدتهم في اختيارها وفقاً للمعايير التالية:

اختيار الكتب والقصص ذات الأسلوب السهل والسائغ التي لا يجد الطفل عناءً في استيعابها.

لا بد أن تشمل على عوامل الإثارة والتشويق، فالكتابة للصغار تحتاج إلى مواهب كبيرة وإبداع خاص.

الابتعاد عن القصص التي تثير خوف الأطفال مثل تلك التي تتحدث عن الجن والعفاريت والمجرمين، أو القصص الحزينة التي تتحدث عن فقدان الأب أو الأم، أو إصابتهما بعاهات خطيرة.

الحذر من الإشكاليات العقائدية في القصص المترجمة أو تلك التي تحتوي على أفكار مسمومة، والتأكيد على القصص التي تغرس المعاني الإيمانية والفضائل الإنسانية.

ويمكن القول إن الوراثة تشمل الكثير من ملامح الإنسان الجسدية وبعض القدرات الذهنية، أما البيئة فهي العامل المؤثر الأكبر، وتشكل فارقاً مفصلياً في حياة الإنسان القارئ، فهي التي تحدد اتجاهاته ومعايير الخير والشر لديه، وتعلّمه كيفية ترتيب الأولويات.

فإن أكثر من (70٪) من نجاحات الإنسان تعتمد على البيئة المحيطة به، والقراءة هي وسيلة لصناعة أولويات الإنسان، فلو خصصت العائلة (5٪) من مدخولها الشهري، أي من كل (100) ألف دينار نأخذ (5) آلاف دينار، وأنفقتها على الكتب التي تقرأها العائلة والكتب التي تنفع أطفالهم، فسوف يلاحظون فرقاً كبيراً في تطور العائلة وتلاحمها وصناعة أسرة قارئة تمارس القراءة بشكل يومي.

فالقراءة للطفل ليست سرداً لبعض المعلومات، إنما هي وسيلة لإظهار حنان وعطف الأم نحو صغيرها، فالطفل بعمر الثلاث أو الأربع سنوات يشعر بالدفء والأمان وهو في حجر أمه، فهذه الصلة القوية تحفّز مواد كيميائية تجعل الطفل أكثر شغفاً بفعل ما تطلبه منه الأم، خاصةً إذا كانت هذه الحكايات تتصف بكونها:

مناسبة لعمر الطفل

بسيطة في الفهم

مؤثرة عاطفياً

تحرك الخيال

والأهم أن تكون نهايتها سعيدة

 

فلو كانت النهاية حزينة ومؤلمة، ستؤثر على نفسية الطفل وتسبب اضطراباً في نومه.

أسلوب الكاتب بسيط وسهل، كما أنه ختم كتابه بقائمة من القصص المناسبة لعدة فئات عمرية، كما أن الكتاب موجه للأمهات والآباء، خاصةً ممن لديهم أطفال صغار في المرحلة الابتدائية أو ما دونها، فهو مفيد جداً لهم، فترسيخ عادة القراءة له آثار كبيرة ومفيدة على المدى البعيد.