لا زلتُ أتذكر قبل عشرين عاماً حين كنا جالساتٍ، مجموعةً من الأخوات وبنات العم، نستعرض أحلامنا وأفكارنا وهواياتنا، وعندما حان دور أختي الوسطى قالت: "أنا أريد مستقبلاً أن أفتتح محل ورد طبيعي"، حينها ضحكنا من فكرتها، فلم تكن هذه الفكرة دارجة، خصوصاً مع بداية الحرب، ولم تكن فكرة محلات الورد والهدايا مألوفة ومنتشرة مثل وقتنا الحاضر.

اليوم، ومع انتشارها، عندما أتذكر الموضوع أقف متسائلة: لماذا استهزأنا بفكرتها؟ بالرغم من أنها كانت تمثل رؤية مستقبلية، ولو شجعناها وطبقتها لكانت حقوق الفكرة لها، ومثلها كثير من الأفكار التي قُدِّمت وتمت الاستهانة بها أو رُفضت لأسباب إمّا عاطفية أو تتعلق بنزعةٍ عِرقية، أو مرتبطة بقبول المجتمع ورفضه، أو خاضعة لمقاييس أخرى يرفضها العقل.

وبعد مرور السنوات، يقف الفرد نادماً لأنه لم يسمع كلامه أو لم تُؤخذ فكرته بعين الاعتبار، فتبدأ "لو" تأخذ حيزها، ويبدأ الآخرون حين يرون جدواها بالندم، ولكن لاتَ حينَ مندم، إذ قد أخذ الزمان فرصهم أن ينالوا مكانة أصحاب الفكرة الأولى أو يكونوا أحسن حالاً مما هم عليه الآن.

مثل هذه المواقف كثيراً ما نسمعها وسط حكايات الأجداد والجدات، وكذلك الآباء والأمهات، فترى الحسرة تلوح على محيّاهم بسبب تضييع الفرصة، والآن نحن الأبناء سمعنا تلك الغصص وعرفنا معنى أن تضيع فكرة مميزة وسط الأفكار المستهلكة أو تذهب فرصة.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا أمكنت الفرصة فانتهزها، فإن إضاعة الفرصة غصّة"

وفضلاً عن عدم الاستهانة بأي فكرة، ينبغي طرحها للدراسة وأخذها بنظر الاعتبار، وعدم الاستهانة بصاحبها؛ فإن ذلك يحبطه، فلا يأبه بعد ذلك لأي فكرة تخطر له، وإن طُبِّقت فكرته ونجحت، يتمنى لو عاد للحظة التي تم الاستهزاء به فيها ليخبرهم بأنه عائد من المستقبل، وأن أفكاره قد وجدت النور على يد غيره.

ولعل في احترام الأفكار الصغيرة بدايةً، ما يصنع مشاريع عظيمة غداً، فالمستقبل لا يُبنى إلا من بذور الحاضر وأحلامه.