الحلقة الأولى

فـامـسـكـي بـالـعـروةِ الـوثـقـى الـتـي   ***   إن تـمـسَّــــــــــــكـتِ بــهـا نـلـتِ الـظـفـرْ

سـادةٌ قـد طـــــــــــابـتِ الأرضُ بـهـم   ***   حـيـث مـا يـنـحـونَ مـن رجـسٍ.. طُـهُـر

فـي دجـى لـيـــــــــــــلٍ وأفـقٍ مـظـلـمٍ   ***   بـعـضـهـم شـمـــــسٌ وبـعـضٌ كـالـقـمـرْ 

فـي سـمـــــــــاءِ الـمـجـدِ أنـوارٌ بـدتْ   ***   أنـجـمٌ تـعـــــــــــــــــدادُهـا اثـنـي عـشـرْ 

هـمْ أمـانُ الـخـلـقِ طـرَّاً كــــــــــــلّـمـا   ***   غـابَ نـجـــــــــــــــمٌ مـنـهـمُ نـجـمٌ زهـرْ 

هـمْ عـمـادُ الـديـنِ أنــــــــوارُ الـهـدى   ***   مـن تـــــــــــولّاهـم نــجـى مـن كـلِّ شـرْ 

هـمْ ولاةُ الأمـرِ بـعــــــدَ الـمـصـطـفـى   ***   بـولاهـــــــــــــــــــــم كـلُّ ذنـبٍ يـغـتـفـرْ 

عـن صـراطِ الـحـــــقِّ مـن شـايـعـهـمْ   ***   عـاجـلاً ســـــــــــــهـلاً بــلا خـوفٍ عـبـرْ

خـاتـمٌ فـيـهـــــــــــم كـخـتـمِ الأنـبـيـاء   ***   مـعـلـنُ الـحـقِ وقـتّـال الــــــــــــــــكـفـرْ 

هـو حـــــــــــبـلُ اللهِ لـلـمـعـتـصـمـيـن   ***   لـعـدوِّ اللهِ سـيـــــــــــــــــــــفٌ مـشـتـهـرْ

سـيــــــدي قـد ذابَ قـلـبـي فـي هـواك   ***   لا تـدعـنـي إنَّ دائــــــــــــــي ذو خـطـرْ 

أنـتَ حـصــــــنُ الله يـا كـهـفَ الـورى   ***   آيـة اللهِ وذكـــــــــــــــــــــــرى لـلـبـشـرْ 

مـوتُـنـا فـيـكَ نعـيـــــــــــــــــــــمٌ دائـمٌ   ***   وتـورِّيـــــــــــــــــــكَ مـن الــمـوتِ أمـرْ

فـمـتـى تـظـهـر يـا سـيَّــــــــــــــــــدنـا   ***   أم مـتـى يـبـدو لـنـــــــــــــــا مـنـكَ الأثـرْ

لـسـتُ أرجـــــــــو مـلـجـأ مـن دونـكـم   ***   فـي أمـوري ولـيــــــــــــومِ الـمُـنـتـشـرْ 

فـبـحـقِّ الـسـادةِ الـمـنـتـجـبـيــــــــــــن   ***   ربِّ لا تـهـتـكْ عـيــــــــوبَ الـمُـسـتـتـرْ 

بـيـنـنـا فـاجـمـــــــــــــــــعْ وإيَّـاهـم إذا   ***   دنـتِ الآجـــــــــــــــــــــالُ مـنّـا وحـضـرْ

يـا (حـزيـنـة) اصـبـري واسـتـبـشـري   ***   إن يـسـريـــــــــــــــــنِ لـيـومٍ قـد عُـسـرْ

لعل من مقتضى الانصاف قبل أن نقف أمام هذا الطراز الشعري النسوي النادر والحديث عن خصائصه ومميزاته و(تفرّده) في الساحة الأدبية النسوية وأثره في محيط مجتمعه، أن نتساءل عن سبب التعتيم والتهميش الذي كان نصيبه ونصيب صاحبته ؟ إذ أننا لو بررنا ذلك بالظروف الاجتماعية وضغوط البيئة على الأصوات النسائية في فترات ما، فإن هذا الشعر يخرج من هذا المنحى ويصبّ في مجرى العقيدة الخالصة ويشكل إضافة مميزة إلى الأصوات النسائية الولائية الصادقة التي أفصحت عن مدى إيمانها وحبها لأهل البيت (عليهم السلام).

فإن مما لا شك فيه إن الشعر ارتبط على مدى أدواره السحيقة بالعقيدة، ونشأ في أحضانها وهو وسيلة نبيلة للارتقاء بالأهداف السامية والدفاع عن الحق، ويحتفظ التاريخ بأشعار نسائية كثيرة جداً حملت موضوعات إنسانية ودينية ورسالية موجهة وهادفة تعنى بقضايا الإنسان والحياة وتدعو إلى الحق والعدل وتمجد المبادئ الإنسانية العليا. 

وليس أدل على ذلك من الأشعار التي أطلقتها سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وابنتها السيدة الحوراء ونساء بني هاشم في الدفاع عن الإسلام كما هناك أشعار كثيرة للنساء المواليات اللاتي حملت أشعارهن رؤية عقائدية أفصحت عما تكنه قلوبهن من ولاء وإيمان وما أسسته من حقائق تستمدها من السيرة العظيمة لأهل البيت وما تستلهمه من الدروس والمبادئ السامية التي حفلت بها حياتهم (عليهم السلام) لقد كانت هذه الأصوات الصادقة من أنصع ما أفرزته الساحة الأدبية لأنها انطلقت من مبدأ الحب الخالص والحب هو المحك الاصيل للنفس للتعبير عن سجيتها وعمّا يختلج في حناياها من مشاعر ففاضت هذه المشاعر ولاءً واخلاصاً وحزناً وأسى فبقي صداها في ذاكرة التاريخ والأجيال لقد حفرت تلك الأصوات أسماءها في لوح الخلود لأنها مزجتها باللوعة والحرقة فكانت مثالاً للصدق، وحتى تلك الأصوات النسائية التي لم يذكر التأريخ أسماءها فقد نقشت في روحه كلماتها ونصبت في فضائه صرحاً (لجندي مجهول) واتّحدت لتكوّن سورة الغضب الشعبي العارم على الظالمين والحزن الممتزج بالدموع على سيد الشهداء، فقد روي إنه لما دخل بشر بن حذلم إلى المدينة ونعى الحسين بأبياته المشهورة ما بقيت في المدينة امرأة إلا خرجت وهي باكية فقالت امرأة لم يذكر لنا التاريخ اسمها وكانت تبكي على الامام الحسين وتقول: 

نـعـى سـيِّــــــــــــــــــدي نـاعٍ نـعـاهُ فـأوجـعَـا   ***   وأمـرضـنـي نــــــــــاعٍ نـعـاهُ فـأفـجـعَـا 

فـعـيــــــــــــــنـيَّ جُـودا بـالـمـدامـعِ واسـكُـبـا   ***   وجُـودا بـدمـعٍ بـعـد دمـعِـكــــــمـا مـعـا 

عـلـى مـن دهـى عـرشَ الـجـلـيـلِ فـزعـزعـا   ***   فـأصـبـحَ هـذا الـمـجـدُ والـديـنُ أجـدعـا 

عـلـى ابـنِ نـبـيِّ اللهِ وابــــــــــــــــنِ وصـيِّـه   ***   وإن كـان عـنّـا شـاحـطَ الـدارِ أشــسـعـا

فرغم إن اسم قائلة هذه الأبيات قد خُفي عنّا إلّا أن صوتها اتحد مع الأصوات الأخرى وتشكل مع صفوف الأسماء الهائمة في حب الحسين، ومثل هذا الصوت هو صوت الشاعرة (درّة العلماء) التي أجحف التاريخ بحقها كثيراً 

 

محمد طاهر الصفار