تعد التريندات أخطر وأسهل وسيلة للتأثير على مجتمع كامل، ومع الأسف، الكثير من المجتمع العراقي يذهبون أين تهب بهم الريح دون فلترة لهذا الفعل أو هذا القول. وهذه المرة كان التيار يعصف بهيبة المعلم، أي المنظومة الأولى في تكوين المجتمع علمياً وثقافياً، واللبنة الأساس في تقويم سلوكيات الفرد. وفي هذا السياق، كان للقوارير حوار مع مجموعة من الطلبة والأساتذة حول تريند مناداة الأستاذ باسمه داخل القاعة الدراسية وأمام الطلبة بحثاً عن الطرفة والمواكبة مع ما يتم تقليده.

 

كيف تؤثر هذه الممارسات على نفسية الأساتذة والطلاب؟

أجابت م. م سارة حسين علي، تدريسية في جامعة كربلاء، قسم طب الأسنان: "للأساتذة دورٌ تربوي مهم يتجاوز نقل المعلومة؛ فهم يمثِّلون السلطة المعرفية والأخلاقية لتنمية المجتمع، ومسألة التخلي عن اللقب وكلمة أستاذ تحديداً قد يُشعر بعضهم بفقدان الهوية، خاصةً الأساتذة من الجيل الأقدم فيعد هذا التصرف بالنسبة لهم إهانة كبيرة وغير مقبولة، خاصة إن هذا النوع من السلوكيات هو استهزاء صريح من الطلاب الذين قد يشعرون بتحررٍ، لأن هذه الأجيال الصاعدة متمردة على كل شيء يعتبروه سلطة، وهذا التمرد ناتج من مشكلات تربوية منذ الصغر، وهذا سيختل توازن المنظومة التعليمية إن لم يُربَط الأمر بضوابط واضحة، والمفتاح هو بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، مدعوماً بكلمة الأستاذ، حفاظًا على هيبة المعلم."

 

لماذا يُعتبر استخدام اللقب (أستاذ) ضروريًا في المجتمع العراقي تحديدًا؟

يجيب الأستاذ حازم عباس، مشرف تربوي ومدرس اجتماعيات: "في العراق، الموروث الثقافي يُقسِّم الأدوار الاجتماعية بوضوح، واللقب ليس مجرد كلمة، بل رمزٌ للسلطة المعرفية والأخلاقية للمعلم، وقضية التخلي عنه بهدف مواكبة فيديو قصير على مواقع التواصل الاجتماعي يُهدِّد بفقدان قدسية الفصل الدراسي ويُصعب السيطرة عليه، كما يُضعف مكانة المدرس كمصدرٍ للمعرفة والانضباط، خاصة في ظل ظروف البلاد الصعبة التي تحتاج إلى تعزيز الثوابت الاجتماعية، قد يعترض بعض الطلبة بهدف مواكبة الثقافة الغربية حيث تنتشر في الكثير من تلك الدول مناداة الأستاذ باسمه الصريح، لماذا العراق لا يواكب هذه التفاصيل؟! لابد من الإجابة هنا والتأكيد بأن المجتمعات الغربية تبني احترامها على آليات مختلفة وقوانين صارمة أكثر، بينما مجتمعاتنا تُبنى على التراتبية الرمزية، نحن لا نستورد حلولًا دون استيراد سياقها الثقافي! إذا أزلنا اللقب دون تعويضه بآليات احترام بديلة – كتقييم أدوار المعلمين ماديًا ومعنويًا– فسنخسر النظامين معًا."

 

ما الأضرار الاجتماعية المترتبة على مناداة المدرس باسمه دون لقب؟ وكيف نواجه الدعوات التي تروج لإسقاط الألقاب العلمية؟

أجابت ولاء الموسوي، كاتبة وأسرة تحرير موقع بشرى حياة وأسرة تحرير مجلة رياض الزهراء، حيث قالت: "تترتب على هذا الترند الذي يعتبره البعض بسيطًا الكثير من الآثار المجتمعية السلبية من جملتها:

تآكل الهيبة: الطالب العراقي تربى على أن الصف مقامٌ احترام، واللقب يُذكِّره بحدود العلاقة.

فتح الباب للعبثية: قد يُساء فهم الأمر كترخيصٍ للتجاوزات اللفظية أو السلوكية.

صدمة للأجيال السابقة: الأهالي الذين تعلموا على احترام مفردة استاذ سيرون في التغيير انتهاكًا للقيم التي نشأوا عليها.

وأكدت الموسوي "لابد من مواجهة الدعوات التي تروج لإسقاط الألقاب الأكاديمية من خلال:

حملات التوعية الأسرية: تذكير الأهالي بدورهم في غرس احترام المعلم منذ الطفولة.

ردع السلوكيات الاستهزائية: معاقبة الطلاب الذين يسخرون من المعلمين، سواءً استخدموا اللقب أم لا.

ختامًا، لابد من التأكيد بأن المجتمع العراقي –كغيره من المجتمعات العربية – يُقدِّس الرموز كأدوات لضبط النسق الاجتماعي، ويرفض التخلي عن لقب "أستاذ" بهدف صناعة محتوى على مواقع التواصل، خاصة أنه دون بناء بديلٍ ثقافي مُتفق عليه، لأن ذلك سيُنتج فوضى تربوية، خاصة أن النظام التعليمي في العراق يعاني أصلًا من تحديات مثل سوء البنية العلمية، وتراجع الموارد، ونفور جماعي من المدرسة.

والحل يكمن في تطوير البيئة المدرسية وصناعة الحوار، وتأسيس مناهج تربوية قائمة على الأخلاق والعلم معًا، فأحدهما يقوم الآخر، والابتعاد عن استعارة الثقافات الغربية المرفوضة في العرف الاجتماعي المتوارث، بهدف المحافظة على هيبة المعلم.