شكَّل شهرُ رمضان فضاءً واسعًا جمع بين العبادة والثقافة، ولا يكاد يحصل انفصالٌ بين أداء الفرائض الدينية والممارسات الاجتماعية التي ترافق هذا الشهر الكريم، وهذا ما أثار التساؤل حول كيفية التوافق بين ما هو روحانيّ وما هو دنيويّ.


أولًا: العادات الدينية المرتبطة بعظمة هذا الشهر في الإسلام

الصيام هو الركن الأبرز لشهر رمضان، بعد الركن الأساسي ألا وهو الصلاة، وتتركز غايته الروحية في الابتعاد عن الشهوات، حتى إن بعض الأطباء في العالم اليوم يشبهونه بالتطهير الروحي والجسدي.

ولعل ارتباط هذا الشهر بليلة القدر جعل منه الشهر الأكثر تأثيرًا في الناس، فقد عبَّر عنها القرآن بأنها "خيرٌ من ألف شهر"، ولأن الطبيعة البشرية تميل إلى المقدس وتحاول تعظيمه وتطبيقه بأدق تفاصيله، نرى أغلب العراقيين، بل المسلمين في جميع بقاع العالم، يحيون ليلة القدر بالعبادات الدينية، سواء بقراءة القرآن الكريم أو الأدعية الواردة عن الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)، والتي تقرِّبهم من الله وتغفر لهم ذنوبهم.

ومن المناظر الجميلة التي تشرح الصدر رؤية بعض العوائل العراقية، والشيعية على وجه الخصوص، وقد اتجهت في هذه الليالي إلى مراقد الأولياء والصالحين، متخذيهم وسيلةً إلى الله لطلب غفران ذنوبهم، فترى البعض يتضرعون بالدعاء، وآخرين يصلّون، وغيرهم يتصدقون على الفقراء عن طريق إعداد الطعام، وكل هذه المظاهر تُدخل السرور على قلب المؤمن، وتزيده إيمانًا بالله وبالرسالة السماوية وبخاتم الأنبياء وولاية أهل بيته.


ثانيًا: المظاهر الدنيوية

في العقود الأخيرة، بدأت ظواهر استهلاكية بالظهور والتنامي، وتركزت على الإبهار البصري، وساعد في انتشارها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الدخلاء الذين لا يعرفون عن هذا الشهر سوى كونه فرصةً لإظهار مظاهر الترف، فيما بات يُعرف بـ"الزينة الرمضانية" من فوانيس، وأشكال لشخصيات كرتونية، وبرامج تلفزيونية مغرضة تهدف إلى هدم العادات الدينية الأصيلة.

كذلك، انتشرت مظاهر التبذير في موائد الطعام، حيث أصبحت استعراضًا للتمكن الماديّ، وهنا يتبادر إلى الذهن الواعي سؤال: إلى أي مدى تغلغلت المظاهر المادية في الفضاء الرمضاني؟

يتضح لنا أننا بحاجة إلى حملات تثقيفية واسعة، مثل:

1-  الدورات القرآنية التي تنظمها العتبات المقدسة لحفظ القرآن الكريم.

2-  المسابقات التنافسية التي تطرح أسئلة حول الشهر الفضيل، مما يساعد في تنشيط التثقيف الذاتي للشباب بطرق غير مباشرة.

3-  محاضرات دينية للفئات العمرية المختلفة، تُقدَّم بأسلوبٍ يتناسب مع واقعهم وأعمارهم، لزيادة فهمهم للدين وهذا الشهر العظيم، حيث يكون العبد فيه في ضيافة ربه عزّ وجلّ.

إذًا، يمكن توظيف المظاهر الدنيوية لخدمة القيم الدينية، من خلال تقديمها بأسلوبٍ جاذب يتناسب مع التطور الذي نعيشه اليوم، وتسخير ما يستهوي الشباب لنشر الثقافة الدينية بأسلوب عصري وفعّال.