في السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا للبودكاست، حيث استثمره العديد من المدربين في مجال التنمية البشرية، وبعض الأطباء ومستشاري الأسرة، بالإضافة إلى أشخاص لا يمتلكون سوى خبرات بسيطة في هذا المجال، وبينما تعدّ هذه الظاهرة محلّ نقاش، فإن الموضوع الأكثر إثارة هو تحول "النرجسية" إلى موضوع شائع يتصدر المشهد الإعلامي.
فقد أصبحت شخصية النرجسي محطّ اهتمام الكثيرين، حيث تُسهب هذه البودكاستات في الحديث عن مدى صعوبة العيش مع شخص نرجسي، وكيف أن معاملاته غير منطقية، وعلى الرغم من أن اضطراب الشخصية النرجسية موضوع بحثي حقيقي وله دراسات مهمة، إلا أن تصدّره لمواقع التواصل الاجتماعي حوّله إلى موجة جديدة تستمر لعدة أشهر، تكرّس فكرة أن أي خلاف في العلاقة الزوجية سببه نرجسية الطرف الآخر.
هل الجميع نرجسي؟
خلال متابعتي المستمرة لهذا الموضوع، كنت أقرأ آلاف التعليقات التي تروي معاناة أصحابها مع أشخاص نرجسيين، وكيف دمّروا حياتهم، العديد من النساء أعلنّ انفصالهن بفخر، معتبرات أن الطلاق كان الخلاص الوحيد من هذه الشخصية السامة، ووسط هذا الكم الهائل من التجارب الشخصية، وجدت نفسي أتساءل: هل كل الرجال نرجسيون؟ بدأت أسترجع مواقف من حياتي الزوجية وأتأمل سلوكيات أبي وأخي، متسائلةً: هل يمكن أن يكونوا نرجسيين أيضًا؟
لكن، بدلاً من الانجراف خلف هذه الموجة العاطفية، قررت البحث عن الحقيقة، فاكتشفت أن نسبة من يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية الحقيقي لا تتجاوز 1% من البشر، بينما هناك 10-15% فقط لديهم بعض الصفات النرجسية ولكن بشكل غير مرضي. هذا يتعارض تمامًا مع آلاف القصص المنتشرة في التعليقات، مما يشير إلى أن هناك تهويلًا كبيرًا للموضوع.
صفات النرجسية بين المبالغة والواقع
عند مراجعة السمات التي تميز الشخصية النرجسية، نجد أنها ليست حكرًا على أشخاص معينين، بل يمتلكها الجميع ولكن بدرجات متفاوتة، على سبيل المثال:
الأنانية: يعتقد النرجسي أن كل شيء يجب أن يدور حوله، لكن أليس من الطبيعي أن يكون لكل إنسان قدر معين من الأنانية؟
الاستعلاء: يرى نفسه متفوقًا على الآخرين، لكن الإفراط في مدح الطفل دون تعزيز أفعاله قد يجعله يرى نفسه فريدًا.
الحاجة إلى الإعجاب: الجميع يحتاج إلى التقدير، لكن النرجسي لا يستطيع العيش بدونه.
عدم التعاطف: الرجال عمومًا يجدون صعوبة في فهم مشاعر النساء، ولكن هذا لا يعني أنهم بلا مشاعر.
التلاعب: بعض الأساليب قد تكون مذمومة، لكن البعض الآخر يُستخدم بذكاء لتحقيق أهداف إيجابية.
الغيرة والتنافس: الغيرة طبيعية إن لم تكن مدمرة.
حساسية مفرطة للنقد: حتى أكثر الأشخاص ثقة بالنفس قد ينزعجون من النقد الجارح.
التفاخر المفرط: كل إنسان يحب التحدث عن إنجازاته، لكن المشكلة تكمن في المبالغة.
هل الطلاق هو الحل دائمًا؟
إذا كانت هذه الصفات موجودة بنسب متفاوتة لدى كل شخص، فهل من المنطقي اعتبارها سببًا كافيًا للطلاق؟ إن تشجيع النساء على إنهاء زواجهن لمجرد أن أزواجهن يمتلكون بعض الصفات النرجسية يُعدّ تهديدًا خطيرًا لاستقرار الأسرة، الزواج علاقة شراكة تحتاج إلى تفهّم، وتواصل، ومحاولات مستمرة للإصلاح، لا إلى قرارات متسرعة مبنية على محتوى رقمي قد يكون مبالغًا فيه.
لذلك، من الأفضل للمرأة الواعية أن تتعامل مع هذه الصفات بالحكمة، وتستلهم من تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) في كيفية إدارة الحياة الزوجية بحب واحترام، بدلاً من الانجرار خلف صيحات التواصل الاجتماعي التي قد تكون عواقبها وخيمة على الأسرة والأبناء، ففي النهاية لا يوجد إنسان مثالي، ولكن يمكننا دائمًا السعي لبناء علاقات متوازنة قوامها الصبر والتفاهم.
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري