بدأ هذا الفن في منتصف السبعينات ،من وضع العالمان الأمريكيان : الدكتور جون غرندر (عالم لغـويات) ، و ريتشارد باندلر (عالم رياضيات ومن دارسي علم النفس السلوكي وهو مبرمج كمبيوتر أيضاً) ، حيث كانا فذين في تخصصهما غير أنهما يئسا من الروتين الكابح الذي ظلّ يسود العلوم الإنسانية ، وقد بنيا هذا الفن المهاري على جهود آخرين على رأسهم العالم النفسي والمختص في اللغويات ميلتون أريكسون والعالمة الإجتماعية والمختصة في العلاج الأسري فرجينيا ساتير وعالم السلالات الإنسانية جرج ريبيرتس ، وقد فكرا " لماذا تكون لدى بعض الناس مهارة ليست لدى غيره ؟

ولم يكن اهتمامهما ينصب على معرفة ماذا يفعل الناجحون ؟ وإنما كيف يفعلون ؟ وقد اهتما بدراسة وتحليل ثلاثة من أبرز الناجحين في العلاج النفسي في زمانهما ، منهم الخبير النفسي الدكتور ميلتون أركسون ، وقد نشرا اكتشافهما لأساسيات الـبرمجة اللغوية العصبية عام 1975م في كتاب من جزأين ، ليخيطا خطوات اخرى اكثر جراءة في الثمانينيات ، وانتشرت مراكزهما ، و توسعت معاهد التدريب على نتائجهما في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و بعض البلدان الأوربية الأخرى حتى اننا لا نجد اليوم بلداً من بلدان العالم الصناعي او حتى النامي إلا وفيه عدد من المراكز والمؤسسات لهذه التقنية الجديدة . 

 البرمجة اللغوية العصبية ... الاصطلاح والمدلول .

ربما سمعتي سيدتي الكريمة بمصطلح " البرمجة اللغوية العصبية " ، وربما شدّك ذلك ، واثار فيك الفضول ، لذا فأننا سنتناول في الاسطر التالية شيء عنها ، على امل ان نتبعها بدروس فيها لتكتمل لديك الرؤية بخصوص مفاهيم التنمية البشرية وفنونها ومهاراتها .

ان البرمجة اللغوية العصبية تعريب لمفهوم Neuro Linguistic Programming ، والتي غالبا ما تختصر بـ ( N L P ) ، حيث تعني كلمة (Neuro) عصبي أي متعلق بالجهاز العصبي وهو الجهاز الذي يتحكم في وظائف الجسم وأدائه وفعالياته كالسلوك والتفكير بل وحتى الشعور ، اما كلمة (Linguistic) فتعني لغوي أو متعلق باللغة والتي هي وسيلة التعامل والتخاطب بين الناس ، في حين تعني كلمة (Programming) برمجة والتي هي آلية وطريقة تشكل العالم الخارجي على شكل صور في ذهن الإنسان ، وبالتالي فهي برمجة لدماغ . 

والبرمجة اللغوية العصبية فن مهاري يتبنى طريقة تفكير الفرد في إدارة حواسه ومن ثمّ برمجتها وفقا لما يريده من اهداف وطموحات من خلال الاستناد على التجربة والاختيار للوصول إلى النتائج المحسوسة والملموسة .

وتنظر البرمجة اللغوية العصبية الى قضية النجاح والتفوق على انها عملية متوقفة على رغبة الفرد واستطاعته وطموحه وبالتالي فأنها ممكنة الصنعة ، وليست وليدة الحظ أو الصدفة .

والقاعدة في ذلك هي " ليس هناك حظ بل هو نتيجة , وليست هناك صدفة بل هناك أسباب ومسببات " ، لذا فهي ذات أهميّة كبيرة للجميع ومنهم انتِ ، خصوصا ممن يرغب في تغيير بعض نمطيات حياته المغلوطة والسيئة .

وبالتالي فهي طريقة او وسيلة تعين الفرد منا على تغيير نفسه واصلاح تفكيره وتهذيب سلوكه وتنقية عاداته وشحذ همته وتنمية ملكاته ومهاراته وهندست نفسيته ، فضلا عن كونها تعينه على التأثير في غيره ، لذا يمكن حصر وظيفته بـ " التغيير " و " التأثير " أي تغيير الذات والتأثير بالغير للتغيير

وقد اعتنا ان نسمع من المفكرين والقادة والمصلحين و رجال التربية بأن " الانسان ملزم بالمثابرة والجدية والصبر والإتقان لعمله والتنظيم لوقته " وغير ذلك من مفردات الجودة والتجويد ، الا انهم لم يدلونا على آلية تحقيق ذلك ، وهو ما افتقر اليه حتى علم النفس مكتفيا بالتشخيص ووضع الحلول النفس ومعرفة السلبيات وأسبابها وكيفية التخلص منها ، في حين اجابة على كل ذلك هندسة النفسية الانسانية من خلال البرمجة اللغوية العصبية لأنها اعطتنا الكيفيات والإيجابيات والات تحقيقها الوصول إليها . 

البرمجة اللغوية العصبية ... الفوائد .

للبرمجة اللغوية العصبية فوائد جمة ، نذكر بعضا منه :

  1. خلق اجواء وبيئات لضبط المشاعر والأحاسيس .
  2. السيطرة على طرائق التفكير وتوجيهها حسبما يفيد وينتج .
  3. التحرر من الخوف والاعتياد .
  4. خلقها اجواء تناغمية وانسجاميه مع الذات ومع الأخر .
  5. التخطيط للوصول لما يريده الفرد مع ضمان النتائج .
  6. معرفة استراتيجية نجاح وتفوّق ونبوغ الآخرين ومن ثمّ تطبيقها على النفس . 
  7. معرفة اساليب التغيير السريع والمأمون .
  8. التأثير والتأثر .

البرمجة اللغوية العصبية ... التطبيقات .

من تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية :

  1. التعلُّم السريع : ومن فوائده مثلاً تعلّم لغة في شهر أو توصيل معلومة في ثواني او حفظ مادة في لحظات . 
  2. القراءة التصويرية او السريعة : وهو علم يهتم بالقراءة التصويرية كأن تقرأ كتاباً كاملاً في عدّة دقائق . 
  3. خط الزمن : معرفة تلازمية الزمن مع السلوك أو ما يسمى بالعلاج بخط الزمن . 

البرمجة اللغوية العصبية ... الموضوعات .

تتبنى البرمجة اللغوية العصبية مجموعة من الموضوعات بالاستناد الى التجربة والاختبار وصولا للنتائج الملموسة ، ومنها :

  1. محتوى الإدراك لدى الإنسان وحدود المدركات كالمكان والزمان والأشياء والواقع والغايات والأهداف وانسجام الإنسان مع نفسه ومع الآخرين وكيف يمكن إدراك معنى الزمن وسط كل ذلك . 
  2. الحالة الذهنية وكيفية رصدها والتعرف عليها وكيف تغييرها ودور الحواس في تشكيل الحالة الذهنية وأنماط التفكير ودورها في عملية التذكر والإبداع . 
  3. علاقة اللغة بالتفكير وكيف استخدمه لحواسه في عملية التفكير وكيفية تعرفه على طريقة تفكير الآخرين . 
  4. علاقة الوظائف الفسيولوجية بالتفكير وآليات ترابطها . 
  5. تحقيق الألفة بين شخصين وكيفيتها وتأثيرها على الطرفين .
  6. فهم الإيمان والقيم والانتماء ، وما يدخل ضمن ذلك من بيئات لها ارتباط بقدرات الإنسان وسلوكه وكيفية تغيير المعتقدات السلبية التي تقيد الإنسان وتحد من نشاطه . 
  7. اللغة ودورها في تحديد أو تقييد خبرات الإنسان ، وكيفية تجاوزها ، و كيفية استخدام اللغة للوصول إلى العقل الباطن وإحداث التغييرات الإيجابية في المعاني والمفاهيم . 
  8. معالجة الحالات الفردية كالخوف والوهم والصراع النفسي والتحكم بالعادات وتغييرها . 
  9. تنمية المهارات وشحذ الطاقات والقابليات ورفع الأداء الإنساني . 

 البرمجة اللغوية العصبية ... الآليات .

تتوسل الهندسة النفسية كجزئية من جزئيات البرمجة اللغوية العصبية بمبدأ وفرضية مهمة جدا مفادها ان " الخارطة ليست هي الواقع " ، وهي من وضع البولندي الفريد كورزي بسكي ، والذي يعني " أن صورة العالم في ذهن الإنسان هي ليست العالم إنما صورته ليس الا " ، خارطة العالم في أذهاننا تتشكل من المعلومات التي تصل إلى أذهاننا عن طريق الحواس ، واللغة التي نسمعها ونقرأها ، والقيم والمعتقدات التي تستقر في نفوسنا ، ويكون في هذه المعلومات ، في أحيان كثيرة خطا وصواب ، وحق وباطل ، ومعتقدات تكبلنا ، وتعطل طاقاتنا ، وتحبس قدراتنا . ولكن هذه الخارطة هي التي تحدد سلوكنا ، وتفكيرنا ، ومشاعرنا ، وإنجازاتنا . كما أن هذه الخارطة تختلف من إنسان لآخر ، ولكنها لا تمثل العالم البتة ، أي أن كل إنسان يدركه إلا إذا حصل تغير في الخارطة التي في ذهنه ، ولكن إذا حصل تغير في الخارطة ( في ذهن الإنسان ) ، أيا كان هذا التغيير ، فإن العلم يكون قد تغير ، واستنادا إلى هذا المبدأ فإن بوسع الإنسان أن يغير العالم عن طريق تغيير الخارطة ، أي تغيير ما في ذهنه . 

  

البرمجة اللغوية العصبية ... الاركان .

كما تتوسل البرمجة اللغوية العصبية بثلاثة اركان للنجاح ، هي :

  1. تحديد الهدف .
  2. قوة الملاحظة والانتباه بما يسمح للفرد توثيق معلوماته وتبويبها .
  3. المرونة والرغبة في التغيير والاستعداد لها .

بلاسم الشمري