تظافر الباحثون في العلوم التربوية في عصرنا الحاضر على إيجاد أفضل السبل الناجحة للحوار مع الآخر، وعمدوا إلى ابتكار نظريات، بعد تجارب ودراسات متعددة ، ومع كل ما توصلوا إليه في هذا العالم ، لم يستطيعوا أن يؤلفوا بين القلوب، ويحلوا المشاكل القائمة بين صنوف العقليات المختلفة حتى في المجتمع الواحد إلا فيما ندر .

في حين أننا نجد أهم هذه النظريات وأنجعها بالدليل والبرهان في كتاب الله العزيز ،حيث تحدث تعالى في أكثر من موضع مع رسوله محمد(ص) عن آلية الحوار مع الآخر وأثبتت فعاليتها ، حتى بات الناس يدخلون في دين الله أفواجا.      

أولها : وصفه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (( ...... وإنك لعلى خلق عظيم )) ( القلم ـ ٤) ، ما يعني أن على الإنسان الذي يريد أن يَدْعُو الآخر إلى نفسه عليه أن يكون بالدرجة الأولى ذو خلق قويم ، وأساليب التحاور مع الطرف المقابل يجب أن تكون مقرونة بأصول وقواعد تتسق مع الخلق والروح  .

ثانيا : أن يعمد إلى تسوية نفسه بالطرف الآخر حين  المحاجّة ،فلا ينطلق من مبدأ  الاستعلاء  والتفوّق ، ففي قوله  تعالى : (( ........ وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين )) ( سبأ ـ ٢٤) ، ففي سياق حواره مع الآخر لم يقصد تحقير الطرف المقابل وإعلاء شأن نفسه ، بل سَوَّاهَا بها - ومن سوّاك بنفسه ما ظلمك -وهو يكنّ  الإحترام  له ، لِذَا يستخدم الأدب والرّقة في تعبيراته ( لعلى هدى ........) ، ولا يقصد تحميل الآخر أفكاره ، بل يرغب في إيجاد الدافع لديهم حتى يوصلهم إلى الحقيقة بمنتهى الحرية ، فكان هدفه من الحوار طلب الحق وليس التعالي ،إذ لا مصلحة شخصية  تدفعه ، بل دافعه نابع من إخلاصه وحبه للآخرين وحرصه على هدايتهم، وذهب إلى أبعد الحدود إلى ان نهاه الله تعالى بقوله (( لا تذهب نفسك عليهم حسرات )) ( فاطر ـ ٨ ) .

ثالثا :   حين وصفه برقّة الشعور ، وصفاء القلب  والسّريرة ، الّتي لولاها لأنقض النَّاس من حوله حيث يقول عنه تعالى في كتابه الكريم : (( فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) ( آل عمران ـ ١٩٥) ، فهذه الرحمة والحب الكامن في حنايا يتيم  مكّة ، استطاع أن يليّن أقسى القلوب من أهل الجاهلية ، وقد ورد في الأحاديث أنه وصل من رحمة رسول الله (ص) أنه لم يقتل أحداً بسيفه ، والأهم من كل ذلك هو استخدام أسلوب الأحسن الّتي هي من صيغة أفعل التفضيل ، كناية عن أفضل أسلوب في الحوار (( ادفع  بِالَّتِي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم)) (فصلت ـ ٣٤) ، فالكلمة الطيّبة كالشجرة تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربها .

سنية حمادة

ماجستير تفسير وعلوم القرآن