بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وأله الطيبين الطاهرين، سيما الزهراء ام الحسن والحسين .

اخواتي الفاضلات ...

  الحديث عن التأثير والتأثر عميق بعمق الحياة ، فحيث وجد الإنسان وجدت انفعالات التأثير والتأثر وتفاعلاتهما ، إذ انهما سمة إنسانية لا تنفك عن الإنسان انى كان ويكون ، باعتبارها مبدأ تناقل وتزاوج المعارف والمعلومات والسلوكيات بين البشر .

ولهذه السمة وآثارها قيمة عظمى في استمرار النوع البشري ، لذا فهي من متلازمات شخصية الأنسان ـ أي انسان ـ ومنه المرأة بل وضرورات كونها أم أو زوجة او اخت او ابنة .

  وتزداد هذه السمة أهمية كلما زادت مسؤولة المرأة ، وبالتالي فأن المرأة الأم ستكون ملزمة بزيادة منحنيات هذا الفن ـ فن التأثير والتأثر ـ اكثر من غيرها من بنات جنسها ، ونفس الأمر ينسحب على المرأة الموظفة بالنسبة للمرأة ربة البيت وهكذا .

  وما بين التأثير والتأثر لازمتان ضروريان ، الاولى هي ايمانك بما تتأثرين به او تؤثرين به والثانية أداؤك في الاقناع او الاقتناع أي ادوات الأقناع والاقتناع وظروفهما . 

اليوم ونحن ننتخب موضوع التأثير والتأثر ، سيكون شعارنا في ذلك هو (( تأثري بالأفضل وأثري بمن يحيطك نحو الأفضل ، لتكون حياتك أجمل  ))

  ومن خلال هذه الحلقة التنموية ، سنستهدف تقديم فنون التأثير بالأخرين والتأثر بمن يكون منهم أنموذجا وصولا لصناعة المرأة المثال ، وسننتهج في هذا السبيل تقويم سلوكنا وأخلاقنا وتعاملاتنا بحالة بالاستفادة من حالة رمزية تاريخية  ( كالسيدة الزهراء والسيدة الحوراء والسيدة العذراء ) او معاصرة ( المؤمنات من بنات عصرنا وديننا ومذهبنا الحق ) وبذلك فأننا نسمو بك وصولا لأعلى درجة من التحضر الأخلاقي والسلوكي  .

  بدءا ... فأن مفهوم التأثير والتأثر مفهوم قرآني وعصموي ، وأن أختلف رسمها الحرفي ، فالإصلاح ( الذي هو نتيجة حتمية وآلية ضرورية  في نفس الوقت لما يسمى بفن التأثير والتأثر ) وفي هذا السبيل فأن القرآن الكريم الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها في كتاب مبين ، كان قد عرج على مفهوم الإصلاح إذ يقول (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت و إليه أنيب )) (هود – 88 ) ، (( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (آل عمران ـ 104 ) ، لنلمس بعد ذلك أن القرآن الكريم هو أفضل منهج واقوم سبيل لصناعة القدوة والأسوة في جميع مناحي الحياة خصوصا وهو يوظف نماذجه الفاضلة في ذلك السبيل حتى صيرها معالم ومثالات مقدسة يتنمذج من خلالها الفرد منا وفقا لمفاهيم صناعة وتربية الفرد وتنميته صعودا بقوس التكامل .

عصمويا ، فأن قولة الإمام الحسين ( عليه السلام ) (( اني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام )) ( بحار الأنوار 44: 329 )

سيدتي الفاضلة ...

وقبيل الانطلاق بأليات التأثير والتأثر ومقدماته المتضمنة امتلاكك شخصية ذات تأثير قوي على بيئتك وعلى الناس من حولك، عليك ان لا تنسي بديع صنعة الله فيك وفي الأنسان عموما وحجم المخزون الهائل من الطاقات والقدرات التي قد لا تعلميها أو تتخيليها فيك ، فأن كنت لا تشعرين الآن بمداليل الرضا عن نفسك ونجاحك وسعادتك ة ، فأعلمي أن ذلك ليس بمستحيل وأن كان مشروطا باستخدام موهبتك الهائلة التي منحك الله إياها في أدامة نفسك وتكاملها وتغيير شخصيتك ومن ثم تغيير من حولك ، واياك ان تقعي فريسة القنوط واليأس وأجعلي شعارك في سبيل ذلك ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام ):

وتحسب نفسك جرما صغير     وفيك أنطوى العالم الأكبر

وإعلمي أن أدامتك لمنظومتك الفكرية والمعارفية ومنها تأثيرك بمن يحيط بك وتأثرك بمن يصلح كنموذج ذلك لازمة ضرورية وبخلافها فأن من تساوى يوماه فهو مغبون .

  حديثنا الآن عن التأثير الإيجابي في الأخرين ومن قبله التأثر بالصالح منهم سنذكره على خطوات  :

1. كوني قدوة :

أجعلي نفسك قدوة لهم من خلال تبنيك لآراء وأفكار وسلوكيات لا يختلف على صحتها اثنان، وابتعدي عن الدعوة لشيء ما ولا تفعليه فأن ذلك مذموما ويعد من مما قاله تعالى : (﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ  )﴾ .

2. التزمي الهدوء والصمت :

فالصمت يغني احيانا عن كلام وكلام سيما في موارد الفضول والتدخل في غير ما يعنيك فعن صادق أهل البيت (عليهم السلام ) عن ابيه الباقر عن جده انه قال : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) .

3. التزمي التواضع :

فهو تاج بلا ملك بل ويعد اسما الرياضات النفسية التي يمكنها ان تترك اثرا طيا عليك وعلى محيطك ، ولعظمة التواضع وأهمية في التأثير بمحيطك الأجتماعي ، تذكري أنها زاد الأنبياء الرسل وبواكير ثوراتهم وسبيل إنجاح دعواتهم وسر تأثيرهم بأتباعهم ومحيطهم .

4. كوني لينة وسلسة ورقيقة :

فالناس مجبولون على قبول التعامل الرقيق البعيد عن الفضاضة والعنف ، وتذكري بأن الأمر الإلهي الذي وجه لبني الله موسى وأخيه هارون ( عليهما السلام ) بضرورة أنتهاج منهج القول اللين حتى مع فرعون الطاغوت الذي ادعى الربوبية قائلا عز من قال : ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾) وعلى نفس القيمة السحرية في التأثر اوصى الله نبيه الكريم قائلا : ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ () فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )﴾ .

5. اظهري اهتمامك بالآخرين :

فالناس لا تهتم بك بل يهتمون بأنفسهم، فان اهتممت بهم اكتسبت صداقتهم، فتذكري تواريخ ميلادهم، ومناسباتهم كأعياد ميلادهم وأفراحهم وأمراضهم وينسحب الأمر على رد التحية لهم والرد على اتصالاتهم بطريقة ودودة محفوفة بملامح البهجة والاهتمام

6. كوني مستمعة ذكية ومتحدثة لماحة :

فلا تستمعي لهم بملل ، ولا تقاطعيهم وكوني متحدثة لبقة ولا تكوني فضولية في تساؤلاتك خصوصا للجزئيات التي لم يريد المقابل ان يتطرق اليها وشجعيه على التحدث عن نفسه  .

7. لا تنتقدي الأخرين واحترمي اراءهم :

لا نطالبك بترك مفهوم النقد كون ذلك لازمة من لوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أنما كلامنا هنا بخصوص انتقادك لسلوب اكثر تحضرا ورقيا في توجيه النقد على أن تبدي ذلك بأحترم راي المقابل وأن الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية

8. جادلي بالحسنى :

أعلمي ان فوزك بأي قيمة نقاشية قائم على ايمانك بها فضلا عن ألية طرحك له ، وأعلمي بأن أفضل طريقة للخروج من جدالك بنتائج طيبة هو مقدار تجنبك للجدال والمراء فيه واعلمي بأن نتائجك وأن كانت صائبة الا أن قدرتك على الـاثر على الأخرين ستكون فاشلة اذا ما ابتعدي فيها على الحسنى

9. استدرجي الأخرين لقول  "نعم" بسرعة :

اعتمدي مبدا الحديث بطريقة الأسئلة لتضمني بذلك ايجاب المتلقي واستدراجه بقول " نعم " ، إذ انه ذلك سيسهم في قبوله لجزيئات افكارك ومن ثم كلياتها ، وبذلك فأنك ملزمي بالابتعاد عن ذكر ما تختلفين به معه باعتبار ان ذلك يؤزمه بمواقف مضادة ، بل ابتدئي بالمشتركات بينكما، مع تأكيدك على بيان نيتك بالوصول للمشتركات ليس الا ، وأكدي من خلال ذلك على كونكم شركاء وإن اختلفت وسائلكم وآلياتكم ، وبهذا فأنك تدفعين المتلقي لقبولك وموافقتك الرأي ، وفي هذا اجترار لوعي الأخر خلال اجترارك له بقوله  "نعم" وبخلافه فأن قوله "لا" وما شاكلها سيفرض على الأخر رفض رأيك من باب الاعتداد بالنفس والكبرياء وبالتالي الى عدم مجاراتك في حديثك ومضمونه .

10.   اتركي للأخرين حديث متواصل دون مقاطعتك لهم :

وهي اسلوب فطن يفيد في تشكية الأخرين ومعالجة شكاواهم، إذ ان الأخرين مجبولون بالحديث عن انفسهم كنوع من المحاولة في اقناع المتلقي بطريقة تفكيرهم لذا فمن الملائم تركهم للحديث عن انفسهم باعتباره ادرى بنفسه وهواجسه ومشاكله وجزئياتها ، واعتمدي مبدأ المباغتة بالأسئلة إشعارا له بتفاعلك معه ، فاستمعي بصبر واسئلة بحكمة وتيقظ .

11.   اعتمدي مبدأ " الأسئلة " بدلا من الأوامر المباشرة :

ليس منا من يقل لغة الأوامر الصارمة ، عدا أنها اثبتت حسب علم الاجتماع بأنها أكثر سلبية واقل جدوى ، وعليه استعيضي عنها بطريقة الأسئلة ، فقولك للأخر : ما رأيك بكذا ؟ ستسهل عليه فهم مطالبك وتساعده على تصحيح أخطاءه، كونك بذلك حفظتي له بكبريائه وخلقتي له اجواء تفاعليه منحتيه الشعور بأهمية نفسه فضلا عن بعثك فيه روح التعاون بدلا من العناد، وتلك الأسئلة مثل: (أيمكننا أن نغير الحالة الفلانية ...... ) ، ( هل تعتقد أن ...... ) .

12.   تعاطفي مع أراء ورغبات الآخرين :

اعتمدي عبارات ساحرة تخفف من وطأة الجدال مع الأخر وتجره للشعور بالطمأنينة وتبعده عن الضغينة، لما تحتويه من توالد نوايا حسينة في ذهنه اتجاهكِ ، فعبارة ( لا اختلف معك لو كنت في محلك ) ، ( ان تصرفكِ حالة طبيعية ) ، فهكذا عبارات كفيلة بتليين الطرف المقابل وتبسيط من يحب الجدال منهم وينعم حافاته الحادة في ذلك .

13.   اعرضي أفكارك بطريقة مثيرة وتفاعلية :

الحقيقة مرة وذكرها أمّر ، لذلك فعليكِ التزام الإثارة في ذكرها من خلال اتقانك لفنون عرض الحديث ومنه الحقائق بالاعتماد على الدبلوماسية وتخفيف وطأتها لئلا يكون للأخر ردة فعل لا تحمد عقباه لا اقلها التزامه التشنج في قابل النقاشات وتحويلاها الى مناكفة ومراء  .

14.   ولدّي في الآخرين الطموح والرغبة الغنية  :

سايكولوجيا ... حاولي ان تولدي لدى الأخر رغبة في العمل او الرأي او الفكرة التي تتبنيها من خلال اعتمادك على اثارة اهتمامه ورفع رغبته في ذلك على ان تمنحيه ما يريد ، إذ أنك وأنت تصطادين السمك ، فليس منطقيا ان تضعي في صنارتك قطعة جبن او حبة فراولة لأنك تحبينها ، لأن قيمة ما ننجزه يتعلق بقيمة ما نؤمن به ، وعليه فالأسلوب الأمثل في التأثير على الأخرين هو محادثته عما يرغب ويحب ومن خلال ذلك جر وعيه لما ترغبين به ولذا فالطريقة الوحيدة للتأثير علي سلوك الشخص الآخر أن تحدثيه عما يريده هو .

بلاسم الشمري