هنيئا لك أيتها السيدة الفاضلة النبيلة وأنت تقتبسين من ضياء النبوة وترتشفين من معين الإمامة
هنيئا لك وأنت بخدمة من تشرف جبرائيل بخدمتهم
هنيئا لك وأنت تنعمين بهذا الفيض الإلهي في بيت من يشتري ثوبين فيعطي لخادمه أفضلهما
لا عجب وأنت تحوزين هذه المنزلة السامية والمرتبة العظيمة لأنك أخلصت الطاعة لله وواليت أوليائه وعاديت أعدائه
فضة النوبية المرأة المؤمنة الطاهرة التي اصطفاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لخدمة ابنته الصديقة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) فكانت تشاطرها الخدمة يوما بيوم اكتسبت من هذا البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا بعد أن قضت فيه عمرا طويلا مكارم الأخلاق وحميد الصفات فنهلت من علومهم وتخلقت بأخلاقهم.
كان لها شرف اشتراكها مع سادة الخلق في نزول سورة هل أتى فيهم فقد ذكر الثعلبي (أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري) في تفسيره الكبير عند قوله تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) فقال: (هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيراً يوفون بالنذر يعنى علياً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة)
كما ذكرها السيد عبد الحسين الشبستري من حملة القرآن وأعلامه في كتابه (أعلام القرآن) (ج32ص2) فقال في وصفها: (هي فضة النوبية المصرية جارية فاطمة الزهراء وخادمتها وكانت صحابية جليلة القدر عظيمة المنزلة على درجة كبيرة من العبادة والتهجد والتفقه في الدين).
وقال الكجوري (محمد باقر بن إسماعيل بن عبد العظيم بن محمد باقر الطهراني) المشهور بالواعظ في كتابه (الخصائص الفاطمية) (ج2ص185) يصف فضة: (هي من خادمات ومواليات هذه الأسرة الرفيعة الدرجات العالية المقامات، قضت عمرا في خدمة الخمسة الطيبة، وكانت دائبة في خدمتها، لم تغفل لحظة عن القيام بواجبها، مقدمة رضاهم على رضاها، ساهرة على تطييب خاطرهم وتنفيذ مرادهم، مهتمة غاية الاهتمام بالعبادة وإطاعة الرب المتعال، مستقيمة على امتثال أوامر سيدة العصمة وأميرة العفة الصديقة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليها) متميزة عن أقرانها وأترابها بالحلم والصبر والتحمل والثبات في البلايا والشكر والخلوص، حتى مدحها الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد في سورة (هل أتى) فغمرتها الألطاف الإلهية والأفضال الرحمانية، وحُشرت مع علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسنين (عليهم السلام) فنزعت عنها ذمائم النفس الدنية والرذائل الأخلاقية باتباع السيدة المطهرة المصطفوية وتحلت بمكارم الأخلاق النبوية).
وقالت عنها الكاتبة السورية زينب الفوازية في كتابها (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) (ص44): (إن فضة كانت من النساء العاقلات الصادقات وقد اشتهرت بالفضيلة، وفي ذكر ممن نزلت فيهم سورة (هل أتى) نالت بذلم فخرا لم تنله غيرها من نساء العرب).
نالت فضة شرف الصحبة حيث ذكرها ابن حجر العسقلاني في الإصابة (ج8ص282) وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة (ج5ص530) فجاء في ترجمتها: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضة الموبية وكانت تشاطرها الخدمة) وقيل في نسبها عدة أقوال لا يمكن الاعتماد كليا على أحدها منها أنها (بنت ملك الهند) كما قال بذلك الحافظ البرسي في (مشارق أنوار اليقين) و(أنها كانت من بين الجواري التي أهداها ملك الحبشة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال الطهراني في (الخصائص الفاطمية) وقال السابقي في (حضرة فضة) والنقدي في (الأنوار العلوية) (إنها بنت أحد ملوك الحبشة).
دخلت فضة بيت السيدة الزهراء ولها من العمر عشر سنوات فاقترنت حياة فضة بحياة أهل البيت فهي تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم وتستشعر في قلبها آلامهم ومصائبهم فعايشت مصيبة مولاتها الزهراء ووقفت إلى جانبها في احتضارها واستشهادها فقد جاء في الخصائص الفاطمية (ج2ص188) أن الصديقة الزهراء قالت وهي مستندة على الجدار: (آه يا فضة إليك فخذيني فقد قتل ـ والله ـ ما في أحشائي من حمل). وقد تولت فضة دفن المحسن السقط كما كانت من ضمن الخاصة الذين أعلمهم أمير المؤمنين باستشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) وممن شاركت في تغسيلها.
وبقيت فضة مخلصة لهذا البيت الطاهر في كل الأحداث التي مرت به وتؤكد الروايات وجودها مع السبايا بعد معركة الطف ورافقت الحوراء زينب في رحلتها ولازمتها حتى وفاتها وجاورت قبرها الشريف حتى توفيت ودفنت بالشام وقبرها الشريف يقع في الباب الصغير للجامع الأموي.
محمد طاهر الصفار
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري