يشتكي (علي) الطالب في الصف الثالث المتوسط من تدخل ذويه في اختيار الاختصاص الذي يناسبه حسب تقديراتهم وحسب توجهاتهم، فكثيرًا ما يتردد على مسامعه أن عليه الدخول للقسم العلمي الثانوي حال نجاحه، ويعد الأب عدته لذلك حينما عزم على إدخاله إلى معاهد تقوية متخصصة في الدروس العلمية لأجل حصوله على معدلات تؤهله للقسم أعلاه، ليعيق هذا الهاجس تفكيره ودراسته، فكل اهتماماته وحبه ينصب في المدارس المهنية التي يراها مناسبة جدًا لما يطمح إليه في دراسة اختصاص الصناعة.

(علي) وحسب ما صرّح لنا، لا يمكن له اعتراض رأي والديه، ولا يريد أن يخلق المشكلات معهم، ودائمًا ما يسمعهم يقولون له: أنت لا تعرف مصلحتك، مع أن هذه القضية أصبحت ظاهرة معقدة للأسر تقريبًا، فالأولاد غير مبالين لمستقبلهم إلا في بعض الحالات النادرة، فمع تطورات الوضع والإمكانيات الأسرية تباينت المواقف، وأخذ المراهق يرى أن من الضروري أن يأخذ الطالب دوره في اختيار ما يناسبه دون اعتراض.

 

اللجوء للأهل

تقول منى أحمد، طالبة سادس إعدادي: "لطالما الأهل ذو تجربة وخبرة في مستوانا العلمي، لا بد من الأخذ برأيهم، فهم أدرى بمصلحتنا ويدركون الاختصاص الذي يفيدنا، لذا لم أعترض على ما يخططون لي مستقبلاً، قد نكون مترددين ولا نملك قرارًا مناسبًا، فنلجأ إلى الأهل في مساعدتنا للاختيار وتحديد هوية الاختصاص أو ما يرونه مناسبًا لقدراتنا وطموحاتنا، لأن كثيرًا من الاختيارات تأتي عن طريق الصديقات وزميلات الدراسة اللواتي يرافقننا في مراحلنا كافة"،

وترى أميمة صادق القضية عكس ما تراه منى، من حيث إن الاختيار يجب أن يحدده الشخص نفسه وليس الأهل، فهو يعرف قدراته وإمكانياته العلمية، وما يهمه مستقبلاً، ولا علاقة لأي أحد في التدخل باختياراته، لأن ذلك سيؤثر على نفسيته وتفكيره، وقد يفضي أيضًا إلى رسوبه وعدم قدرته على مواصلة الدراسة في المجال الذي حُدّد له،

 

هاجس الاختيار

يلعب الأهل دورًا كبيرًا في توجهات ابنهم العلمية والدراسية، أو العكس من ذلك، ومن هذا المنطلق أوضحت سهى الطائي، أم لفتاتين في المرحلة المتوسطة، قائلة: "منذ الاقتراب من مرحلة الدراسة بحد ذاتها، يعيش الأهل هاجس اختيار المدرسة المناسبة لطفلهم، ويكبر هذا الهاجس يوميًا إلى حين بلوغه المرحلة الجامعية، حيث عليه انتقاء الاختصاص المناسب له ولقدراته وطموحاته، فمنهم من يقدّر أن هذه المرحلة من العمر يجب أن تُوجَّه ويُخطط لها منذ البداية، لكي تجعل الطفل في المكان المناسب الصحيح، وذلك حسب الحالة المادية، فالعديد من الأهل ينسبون أولادهم إلى الدراسة في المدارس الأهلية، كي يطمئنوا عليه وعلى مدى التهيئة الجيدة للمراحل المقبلة".

وحسب الطائي، على الأهل أن يعلموا طفلهم حرية الاختيار والاهتمام بالعلم والتعليم، وألا يكونوا عائقًا أمام توجهاتهم ومستقبلهم، فذلك يؤثر بصورة مباشرة على مستواهم وشخصيتهم، ومن ثم على قرارهم.

ومن الجدير بالذكر أن أغلب الأهالي يجبرون أبناءهم على اختيار الاختصاص الذين فشلوا هم فيه أو حالت الظروف دون تحقيقه، لذلك تبدأ المشاكل والعناد فيما بينهم، ويرفض الأبناء تدخل أي منهم في اختياراتهم، ليحل التمرد والإصرار، ويكون الطالب في كفتي ميزان.

 

إقناع واقعي

في هذا السياق، ونظرًا للحالات التي واجهها في هذا الموضوع من شكاوى واحتمالات عديدة، أوضح الاختصاصي التربوي مهند المعموري مبينًا: "تردنا العديد من الشكاوى من الأهل حينما يلاحظون تدني مستوى ابنهم الدراسي حال دوامه في أحد الفروع، سواء العلمية أم الأدبية، لأنهم يلعبون دورًا في الاختيار، لذا من الضروري أن يُوجَّه الطالب حسب رغبته والمجال الذي يستهويه ويجد نفسه مبدعًا فيه"،

مع أن توجيه الأهل له ثوابت في الإقناع بواقعية، وحسب التداول في الأفكار والاختصاصات التي ترشدهم إلى طريق أفضل لهم.

ويؤكد المعموري في هذا الاتجاه أن ميول الطالب وتوجهاته يجب أن تُحترم من قبل الأهل، ليُعزز لديه القناعة والشجاعة في الدراسة، والعمل على تشجيع مكامن آرائه التي من المحتمل أن تبني شخصيته من خلال مساعدته في التعرف على الاختصاص قبل العمل فيه أو قبوله، ويمكن للأصدقاء أن يلعبوا دورًا كبيرًا في اختيار الطالب من خلال آرائهم وانتماءاتهم العلمية التي تُحبِّب إليهم الاختصاص المناسب الذي من خلاله يعتمد الآخر في الاختيار، وأخيرًا نوجّه الأهل إلى عدم الضغط على الطالب وتركه يعتمد على نفسه ويكتشف توجهاته، وألا يبالغوا في نقدهم ولومهم، بل مساعدتهم لتخطي الأزمة والعبور بها إلى مجالات ناضجة ومثمرة.