في حوار امتد لنصفِ ساعةٍ من حديث الأولويات قالت لي بثقة: (أنا أؤمن بأن الارتباط هو رغبةٌ واستعداد مع تواجد الشريك المناسب..لكنّي أرفض الفكرة  قاطبةً فلستُ مُستعدةً لأن أمحو عالمي لأجل عالمه...)

انتهى الحديث لكن الفكرة بقيت جالسةً على كُرسي التشخيص، تنبو عن هلعٍ مُستترٍ بقوّة الشخصية والحضور، أو نفورٍ قد رُسم بخطوطٍ قاسيةٍ لتجارب المجتمع، فتلكَ اليافعةُ الواعية في بناء هيكل الزواج هي ليست ذاتها التي هدمتهُ في نهاية جُملتها، فما الذي يقودُ شابّة إلى الهروب من فكرةِ تؤمنُ ببواعثها وإعلان الرفض لها حتى إشعارٍ آخر؟

لطالما احتلَّ مفهومُ الشراكةِ الزوجية مكانةَ الرواج في ساحات الحوار الساخن، حتى أصبح قانوناً تُطرحُ فيهِ النظرياتُ المُمكنة لصنوف المدارس الفكرية، فمنهم من يقفُ على عتبتهِ رافضاً الخنوع والخضوع لأحد الشركاء أو تفاقمِ حدِّ المسؤوليات اللانهائية التي يكابدها رُكني الزواج، ومنهم من يلجمُ الحاجّة البشرية للارتباط بلجام الاستقلال المادّي والتجرّد من اللباس السماوي الخانق كما تدعو النسوية وغيرها من الحركات المتطرفة، وقد ارتفعت وتيرةُ الآراء ليُصبح الارتباط هدفاً لا مرئي للحروب الناعمة والغليظة حتى نتجت شريحة كبيرة من الفردانية المُرضية للمصالح الرأسمالية الدولية، ولكن بعيداً عما يجوب العالم المتآمر هل طرقنا يوماً بابَ الحوار الداخلي؟

تنوعّت مؤخراً حالاتُ الهلعِ المرضي التي يُعاني منها أفراد المجتمع وخاصةً الشباب منهم نتيجةً لتوسّع التحدّيات وقلَة الوسائل التي يمتلكونها لمجابهتها، حتى ظهر في الآونة الأخيرة (هّلعُ الارتباط) أو ما يُسمّى ب الجاموفوبيا  Gamophobia  والذي يمثّلُ هروب الأفراد من الزواج و العلاقات طويلة الأمد، وقد أكدّت الدراسات النفسية بأن الهلع لابد أن يتزامن وجودهُ مع جذور لها علاقة بأزمة في تفكيك الفكرة أو النتيجة لدى الشخص المُصاب، فالحصول على معاني الأشياء هي أزمةٌ وجودية تنشأ مع نشأة الفرد وكذلك الحال مع الزواج، إذ إنَّ التوغل في مفاهيم هذا العقد السماوي يحتاج إلى معرفة الرؤية التي يبتغيها الدين أولاً والحياة ثانياً في اكتمال الأنفس البشرية كنتيجة لهذا الاتحاد، ولكنَّ الأزمة الجمعية التي تتفشى في الوقت الحاضر هي أزمةُ الأصول والفروع التي تنخرُ المعاني السماوية والروحية لبُعدِ التكامل والاكتمال في بوتقة الزواج، فمعرفةُ الفتيات بواجبات الزوجة وإحسانها الذي يمثّلُّ قُطب الرحى لا يمنعهنَّ من الهلعِ و الهروب من الصورة الواقعية التي يطبقّها الشريك أحياناً أو عائلتهُ في أحيانٍ أخرى عليها، من تقوى قصيرة الصلاحية و توقعاتٍ تفوقُ العادة أو تنكّرِ لإحسانها ووصفهِ بالواجب المؤكد والذي لا يكتملُ قبول فرضها من دونهِ، أو صهرِ الحياة الخاصة للمرأة لتبقى في دائرة الحق والواجب طوال الوقت من دونِ شفقة.

 ولا يُعتبرُ هلعُ الشباب أقلُّ وتيرةً من الجنس الآخر إذ إنَّ حدود الدينِ والخُلقِ التي رُسمت بخط الشريعة أضحت مطلباً مثالياً لبعض الفتيات أمام الملأ لتتلوهُ مطالبَ مُهلكة تقبعُ خَلفَ الستارة الوردية، ناهيكَ عن السلوك الانستغرامي الذي يقيسُ الشريك بمقاس النشر والبذخ..

وأخيراً فإن الارتباط هو إتقانُ رسم صورة ال(نحن) مع احترام ال (أنا) والتركيزُ على الإحسان، فلا تشوّهوا ما يجمّلُ تشوهنا..