غالبا ما تردد أمهاتنا العبارة الآتية (سوي خير وذب بالشط) ويأتي الرد الذي اعتادت عليه أسماعنا (عفية هذا الشط شوكت يمتلي) هذا الحوار يتردد عندما يكون عطاء في غير محله أو أهله، ويُرد على أهل المعروف بالسوء، تدور هذه الحوارية، مترادفة مع عبارة (هذا الشخص ميستاهل).

من أكثر الأفكار النمطية عن العطاء هذه الفكرة التي كانت ولا زالت قد تجعلنا نمتنع عنه أو حتى نكره تقديمه وقد نقدمه بضجر، وبالتالي نصل إلى نتيجة مفادها قطع سبيل المعروف!

لعل هذه من أكثر الأخطاء التي تعلمناها عن فكرة البذل، فعلمونا أن هناك مفردة (عطاء) لكن لم يعلمنا أحد ما قوانينها؟

متى يمكن أن تُقدَم؟ ومتى نمتنع عنها؟ وإلى أي مرحلة يجب أن نقف لأننا سندخل ضمن مفردة (الاستغلال)، وهناك من سيستنزف طاقاتنا لصالحه، بل لم نرَ موجّها لنا ليرشدنا إلى الكمية أيضا فكثرته ستفرض علينا أن نقدمه كنوع من الواجب لا التفضل الذي يجب أن تشكَر عليه، مثل هذه الأخطاء نكتشفها مؤخرا ثم (نضرب كفّا بأخرى) بعد فوات الأوان، الوقت، الصحة، بعد فوات حتى المفهوم ذاته حيث أصبح عبئا علينا، فتنفجر مع أقرب موقف من عدم التقدير، وقتها يستغرب الجميع من تصرفك وأولهم الشخص الذي بذلت له.

من المخجل أن تكون لنا منظومة تعليمية وضعت حدودا لكل شيء ونغفل عنها في تسيير حياتنا اليومية، بعد أن مرّت أمامي كل تلك المواقف وعشت مع أشخاصها ومشاعرهم، ظهر أمامي حديث لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين قال: "ظَلَمَ الْمَعْرُوفَ مَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ"، ليضع قاعدة واضحة للمعروف فتقديمه مرة واحدة إن رُد بالشكر فهؤلاء أهل له وإن قوبل بالتعالي (فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)