يفيد الأطباء النفسيون أنهم يستخدمون (الصّيام) حاليًا كوسيلة داعمة في علاج بعض الاضطرابات النفسية والعاطفية، فثبت أن له فوائد نفسية، تعتمد على نمط حياة الفرد، وشخصيّته، وقدرته على التكيّف، والصّبر، وقوّة معتقداته الرّوحية، فقد خلصت دراسة أجريت على مجموعة من الشباب في احدى الجامعات التركية خلال الأيام العشرة السابقة لشهر رمضان والعشرة أيام التالية له، إلى أن الصّيام خلال هذا الشهر كان عاملاً مهماً في تقليل حالات الاكتئاب الخفيف ما عدا الاكتئاب الشديد وتحسين الحالة النفسية لدى المشاركين.

كما أشارت بعض الدراسات النفسية، أن للصّيام دورا في هدم الأنسجة المتداعية وإعادة تجديدها، وهذا ما التفت إليه (توم برنز) من مدرسة كولومبيا للصحافة بقوله: "إننّي أعتبر الصوم تجربة روحية عميقة أكثر منها جسديّة، فعلى الرّغم من أنني بدأت الصوم بهدف تخليص جسدي من الوزن الزائد إلا أنني أدركت أن الصوم نافع جدا لتوقد الذهن، فهو يساعد على الرؤية بوضوح أكبر، وكذلك على استنباط الأفكار الجديدة وتركيز العواطف، وأشعر بانصراف ذاتي عن النزوات والعواطف السلبية كالحسد والغيرة وحب التسلط، كما تنصرف نفسي عن أمور علقت بها مثل الخوف والارتباك والشعور بالملل".

ووفقًا لدراسة أجريت في تركيا، كان الهدف هو تحديد فوائد الصيام على الصحة النفسية من نهاية شهر رمضان إلى الشهر التالي باستخدام مقياس هاميلتون للقلق، حيث خلصت الدراسة إلى أن مستويات القلق كانت أقل في نهاية شهر رمضان ومعتدلة بعد شهر، مما يشير إلى أن الصيام خلال شهر رمضان له تأثير إيجابي على حالات القلق، حيث يحسن المزاج ويقوي الشعور بالإنجاز، وبالتالي زيادة تقدير الذات. ومن التأثيرات المباشرة للصيام أنه يحفز إنتاج البروتينات التي تحاكي تأثير الأدوية المضادة للاكتئاب، وبالتالي يقلل من مستويات القلق والتوتر ويزيد مشاعر السعادة والتفاؤل وحب الحياة.

أيضا يمكن استخدام الصّيام لعلاج ضعف الذاكرة والتركيز، كما إن الانقطاع عن الطعام لعدة ساعات يساعد على تجديد خلايا الدماغ في منطقة الحصين المسؤولة عن الذاكرة، وينتج أجسام الكيتون المهمة لصحة الدماغ، مما يساعد على زيادة التركيز والانتباه، وتحسين الذاكرة، ومضاعفة قوتها.

 أضف إلى ذلك، إن الالتزام الشخصي بالصّيام، وتجنّب الغضب، والصّبر، سيؤدي في النهاية إلى زيادة الانضباط الشخصي وتحسين السلوك، وزيادة الشعور بالسلام الداخلي والطمأنينة، والخلوة في عبادة الله تعالى، كما أنه يلهم الصائم أن يعيش في وئام مع الآخرين والشعور باحتياجاتهم وتحقيقها، بالإضافة إلى التعاون في رمضان الذي يخلق الشعور بالرضا عن النفس، وبالتالي ترسيخ حالة من الاستقرار النفسي والعاطفي.

في الخلاصة يمكن القول، إن هذه الشعيرة تساهم بشكل كبيِر في تقوية إرادة الصائم، وتقوية وتدعيم الشخصية، ورقّة مشاعره، وحبّه للخير، وإحساسه بسمو روحه وأفكاره، وزيادة تحمّل المشاكل والأعباء، حيث يمتنع الصائم عن التصرف بدوافعه الطبيعية المباشرة، ويبذل جهداً أكبر لضبط نفسه وانفعالاته ودوافعه.