على الصعيد النفسي.. لماذا علينا أن ندرّب الطفل على الصيام في سن مبكر؟

 من المعروف أنّ الصيام هو تعويد النفس على الصّبر وعلى تحمّل الجوع والعطش في سبيل طاعة الله، ذلك أنَّ تربية الأطفال على العبادات في الصغر، يجعل هذا الأمر سجيّةً لهم في الكبر، يبدأ التمرين على الصيام من العام السابع ويستمر بالتدريج كلّما تقدّم العمر مع مراعاة الطاقة والقدرة البدنية والاستعداد النفسي له، فقد ورد عن الاِمام جعفر بن محمد الصّادق (عليه السلام) أنّهُ قال: "إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين، بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا". فإذا تمرّن الصبي على الصيام في السنوات السابقة لسن التكليف فإنهُ سيؤديه بأتم صوره ولا يجد في ذلك حرجاً عند البلوغ.

 إن الصبر على عدم حصول النفس على مشتهاها على الفور جانب هام من جوانب نضج الشخصية الإنسانية، ويأتي الصيام في شهر رمضان بمثابة دورة تدريبية سنوية على هذا الصبر، وبمثابة دفعة جديدة نحو المزيد من نضج الشخصية لدى الاطفال، والاستعجال في الحصول على شهوات النفس صفة إنسانية تكون على أشدها إذا لم يتم تهذيبها، فالصيام يسهم في تعويد الطفل على ما نسمّيه في علم النفس (مبدأ تأجيل الحاجات والرغبات) واكتساب الطفل مفهوم (ليس الان).

 الصيام في علم النفس يمكننا طرحه ايضاً تحت عنوان «التسامي» وهو آلية نفسية دفاعية او حيلة تحول الحاجات والدوافع إلى إنجازات «مفيدة اجتماعيًا» وبما اننا ذكرنا كلمة «حاجة»، فالطعام هو لإشباع حاجة الجوع والصيام هنا سيكون بمثابة تسامي مفيد دينياً ونفسياً، لان ضبط شهوات البطن سيساعد الطفل على حل الكثير من الصراعات النفسية الاخرى في مراحل متقدمة من عمره.

 لذلك فإن التربية الوالدية يمكنها أن تستعين بالصيام لتعويد الطفل على مبدأ تأجيل الرغبات والحاجات وضبط النفس عما ترغب به لينمو نفسياً بطريقة سليمة وصحية ولتتكون لديه شخصية سويّة، ولكن علينا أن نمتنع تماماً عن استخدام الصيام كعقاب له أو إجباره عليه، بل الإفادة من إحساس الاطفال بالجوع والمعاناة أثر الصيام، تعليمهم الصبر وتذكيرهم بالفقراء والمساكين والمقاتلين المجاهدين الذين يصومون ولا يجدون ما يفطرون به، ومن ثم حثّهم على الصدقة لأمثالهم وعلى شكر نعم الله عليهم.

تهيئة الأطفال نفسياً للصيام في شهر رمضان بحيث يكونوا أكثر استعدادا وقبولا لمبدأ الصيام:

·      التدريج في الصيام، حيث يتم التغاضي عن أخطاء الأطفال في الصيام في أول مرحلة، فلو شرب مثلا لا يتم تعنيفه بشدّة وإنّما حثهُ على إكمال الصيام شيئا فشيئا وهكذا.

·      التشجيع المستمر الذي يولد الحافز الكبير للطفل من مثل مدح الطفل الصائم أمام الآخرين.

·      إذا كان في البيت أكثر من طفل فلتُوجد الأم بينهم روح التنافس على الصوم والعمل الصالح، وتعدهم بالهدايا لمن أتم صيام رمضان كاملا، ثم لتنفّذ ما وعدتهم به بعد ذلك.

·      يمكننا دائماً استخدام عبارات مفيدة تخدم ما طرحناه خصوصاً إذا ما شعر طفلنا بالجوع مثل (أعلم أنك الآن جائع ولكن أنت صائم لذا عليك الانتظار الى أن يحين موعد الطعام) أي الاذان، فبذلك يعلم هو الوقت المسموح به للطعام ويعتاد على الصبر لتحقيق حاجته في الوقت المناسب لها.

·      علينا تشجيع الطفل من خلال اشراكه في تحضير الطعام الشهي الذي سيتناوله في الموعد المحدد وفي تكرار عبارات مشجعة مثل: الله يحبك، انت قوي، انت قادراً على التحمل، انت صائم مثلنا.

·      الامتناع عن اجبار الطفل على الصيام او تخويفه من عقاب الله بل يمكننا ان نمدح امامه اطفال اخرين يشاركون اهلهم الصيام ولكن طبعاً دون ان نقارنه معهم.

·      عدم الشفقة الزائدة الموصلة إلى منع الأبناء من الصيام، فإن ذلك يؤدي إلى حرمانهم من فوائد تربوية عديدة، وقد يؤدي بالطفل إلى فقدان الثقة بنفسه إذا تكرر هذا الأمر كثيرا كما أن ذلك يقتل في الطفل روح المبادرة والمغامرة.

·      اشراك الطفل في تزيين المنزل وغرفته بأبسط ما يمكن ولكن شرط ان يكون من وحي الشهر الفضيل لنشجعه بطريقة صحية، كما يمكننا تشجيعه من خلال الاستيقاظ في منتصف الليل من اجل تناول السحور معاً وانتظار المسحر الذي يبث الفرح في نفوس الأطفال ويعزز عامل التشويق.

·      ثياب العيد والهدايا الاجمل ستكون لمن سيحاول ان يصوم (نكرر هذه العبارة امام الطفل وليس بشكل مباشر اي لا تكون موجهة له وحده والتركيز هنا على المحاولة، وليس على الصوم نفسه لنشجع الطفل ونحفز جهازه العصبي والنفسي على عملية الضبط وعلى تحمل فكرة التأجيل).

  ان الهدف الرئيسي من كل ما ذكرناه هو الاستفادة مما انزله الله من فرائض في سن مبكر لأنه سيسهم في تربية اطفالنا بشكل سليم وان نجعل منهم شخصيات سوية قادرة على تحمل مصاعب الحياة، وضبط النفس، وتحقيق أهداف بعيدة المدى تتناسب مع قيمنا أو مع تصوراتنا عن الأفضل لأنفسنا، وانه سبحانه وتعالى قد وضع لنا في كتابه الكريم قانوناً واضحاً ونوراً يفيض من سراج واحد مهما اختلفت تسمياته.


الاستشارية انفال سليم مرزة