غالبا ما نسمع أحاديث عن الكتابة والكتاب وما يعيشونه من ألم المشاعر حين يعيشون قصص غيرهم، وفي الوقت نفسه نغبطهم لأنهم يستطيعون التعبير عن أنفسهم وغيرهم لذلك كان للقوارير استطلاع مع مجموعة من الكاتبات وتم سؤالهم عن الكتابة هل هي نعمة أم هم؟

فقالت الكتابة أمل الموسوي: "ماذا تعني الكتابة؟ وكيف ينثال الحرف ليأخذ استقراره على الورق؟ ومن أين تنبع الكلمات لتخرج إلى الوجود مفعمة بالحياة؟ وكيف تتعاقد الكلمات لتصنع حياة تنبض بمشاعر جديدة؟

إذن هي حياة، وصور، ومشاعر، نخطها برشاقة، تأخذ معها هماً كان يعتمل في النفس أسيراً فاذا بالكتابة تحرره من أسره لتطلقه حراً إلى الوجود، أليست هذه قمة السعادة عندما تنفرج الأبواب المغلقة للنفس، بلا شك الكتابة سعادة تتحصل بالجهد والتفكير والعمل، وبقاؤها في الأسر هو الهم".

فيما فصلت أفنان الأسدي: "القلم رفيق الكاتب ينقش ما يمليه عليه من مشاعر وأفكار، وقد يتمرد حينا ويتسلم سلطة الكتابة بدلا عن صاحبه! وهل هناك أصدق من كلمات خطها القلم العارف بأسرار القلوب ومضمراتها؟

إن الكتابة علاج روحي نفسي فالكاتب يبث همومه وأحزانه وأسئلته الوجودية في أحضان الورق، فينزاح جزء منها في هذه العملية التفريغية، فإن سألت كاتبا هل تستطيع العيش دون كتابة؟ سيكون الجواب الحتمي قطعا لا.

إذا نحن بحاجة ماسة لهذه النعمة العظيمة التي حبانا الله تعالى إياها، وفي الكتابة الإبداعية نعمة أعظم، فحين انتهاء التفريغ سيحصل الكاتب على فرحتين، فرحة التحرر من قيود الهموم المحاصرة لذاته، وفرحة إنجاز أدبي جديد يضاف رصيدا ويحسب له كبصمة وضاءة وزهرة فواحة في حديقة الأدب.

لا شك أن الكاتب المتجاوز لمراحل البداية في مشوار الكتابة _الذي لا خط نهاية له_ قد ينتابه بعض القلق أثناء التعبير عن فكرته وموضوعه أو حتى مشاعره، وهذا ناجم من صعوبة تحويل المحسوس إلى ملموس، وصعوبة إيصال الأفكار بكلمات لابد لها أن تمتلك وقعا مؤثرا على المتلقي باختلاف مستوياته وأنماط تفكيره، لكن في النهاية الأديب ليس ملزما بإرضاء كل الأذواق، فإن لم يكن الأمر مستحيلا بحد ذاته فهو أقرب للمستحيل، علما أن الكتابة الأدبية لا يمكن أن تكون تحت الطلب، بل هي تأتي استجابة لدواعٍ نفسية تعتمل في نفس المبدع فتظهر حروفا تقطر بالصدق وتفوح بإريج الجمال.

ويختلف الأمر إن كانت الكتابة وظيفة يمتهنها الكاتب في المؤسسات التي قد تفرض عليه عنوانات وتوجهات معينة، وقتها تتحول الكتابة إلى هم يومي يضطر الكاتب عمله لكسب لقمة العيش مرغما، وبهذا يتم وأد الإبداع ويصبح الكاتب آلة تقوم بما عليها لإرضاء المسؤولين.

واختصرت الشاعرة شيماء العلي: "الكتابة نعمة كبيرة من حيث كونها متنفّس الكاتب بعد اختناق ما في زحمة الحياة المريرة، نافذة تطلّ على عالم نحلم به، ومازلنا نحلم، كما أنها ترجمان لمشاعر قد تتزاحم في الروح فتنوء بها حتى تلقي بحملها على الورق وتوثيق لكل نبضة ينبض بها قلب الكاتب لموقف ما، ولرؤى خاصة في الحياة والناس، ومن نعم الله الكبيرة هي موهبة الكتابة التي تمنح صاحبها القدرة على التعبير بطريقة تخطف الألباب والقلوب".

فيما تحدثت جنان الهلالي: "قد يظن أن الكتابة تشكل السعادة للكاتب ولكني اجدها على الرغم من كونها متنفسا للروح ولكنها عملية شاقة، وهم للكاتب، وهمها يكمن في جودة ما ينتج ويطبع ليكون بيد القارئ فالكتابة مسؤولية كبيرة، لأنها موجهة للعقول.

احيانا كثيرة أجد نفسي ادخل في صمت كتابي، ولا أجد ما اكتب عنه، ولا أستطيع أن أكتب في الأمور والمشكلات العصرية التي تواجهنا فلو تحدث عنها قلمي قد لا تعجب البعض، نحن نعيش في عالم فوضوي صوت الحق فيه معاق، اغلب الأدباء والكتاب يعانون من حالة عدم التناغم مع الواقع البائس الذي يعيشون فيه، والبعض الآخر تتضمن معاناتهم مع المجتمع الجاهل ومحاربتهم للكلمة الحرة، فالأدب أو الإبداع يتجاوز معطيات الحياة الشخصية للأديب او المبدع وحتى لو عانى بعض الأدباء والمبدعين من محن واوضاع قاسية في تفاصيل حياتهم إلا نجد في نتاجاتهم الكثير من النصوص تبعث البهجة في النفوس، ويسعى لاضفاء ألوان البهجة في الحياة الانسانية ككل.

وعبرت زينب الأسدي كاتبة: "عندما یقرّر الکاتب أن یکتب شیئًا فهذا تصریح منه لإثبات نصّ قد يبقى على مدى التاريخ والدهور ويُعدّ ما يكتب وثيقة رسمية تكشف عن أفكاره وتطلّعاته وقناعاته إذ يمتدّ هذا آفاقًا بعيدة تعكس روحه المتجذّرة في نصّه، لذا نرى أنّ بعض الشعراء كان يكتب قصيدة يعمل على تشذيبها عامًا كاملًا وقد سُميّت نتاجاتهم بالحوليّات وبالفعل ظلّت وعبرت التاريخ وصولًا إلى يومنا هذا وتُعد إلى الآن صرحًا يستحقّ الإشادة".

الكتابة تجديفٌ عميقٌ في بواطن الكاتب ونفسيّته التي تكشف عن حالاته الروحية والعاطفية في قالب إبداعيّ جميل يثير التأمّل ويأتي بجديد قد يقبله المتلقّي أو يرفضه وهذا وحده كافٍ لإثارة قلق الكاتب من قبول الناس لأفكاره ورسم صورة آثمة عنه رغم كونه الأكثر رفضًا من إتيان المنكر أو صورة الشكّاك رغم كونه الأكثر إيمانًا أو صورة المتعجرف بينما هو الأكثر تواضعًا وهكذا

لذا كانت الكتابة منذ الأزل وحتى الآن همًّا ثقيلًا يُثقل كاهل الكُتّاب بمختلف قوميّاتهم ويحثّهم على الاهتمام بالنصّ بغضّ النظر عن جنسه.