ماذا يمكن أن نقول ونكتب عن السيدة الهاشمية عقيلة الطالبين (عليها السلام) وماذا عسانا أن نتذكر من حياتها قبل وبعد واقعة الطف، ياليت القلم يمكنه أن يوافي حقها ومكانتها، ويلبي طموحنا في إيصال ما لا نعرفه عنها، فقد كانت (عليها السلام) قمة في الانسانية والعطاء والوفاء، وللإفاضة المستزادة عن حياتها وما تعرضت له في مسرح الحق والحقيقة، نبدأ مع السيدة العظيمة ونستطلع مع ما لا نعرفه عن كريمة الدارين زينب الكبرى بنت الامام علي بن ابي طالب.

 

(للقوارير) اجرت حواراً مع الدكتورة رجاء البيطار من لبنان للحديث عن حياة السيدة زينب.

 

اشارت البيطار بالقول: "الكثير من جوانب حياتها غير معروفة للجميع، وذلك بسبب التعتيم الإعلاميّ الذي هدف من خلاله الأمويون وبعدهم العباسيون، لإخفاء فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، ودورهم في بناء المجتمع الإسلامي، ولكن تاريخ أهل البيت أيضًا لم يبخل علينا ببعض التفاصيل التي تفيدنا في معرفة أخبارها، وما لم يكن واضحًا منها فإن المحققين الأفاضل قد بحثوا فيه حتى اهتدوا إلى الخبر اليقين، إن مقام السيدة زينب (عليها السلام) في ضواحي دمشق يثير عجب المطّلع على أخبارها، والسؤال المطروح سؤالٌ وجيه، فما الذي يحدو بسيدة الهاشميات أن تتخذ لها مسكنًا بجوار أولئك الطغاة الذي قتلوا إخوتها وأولادها وأهل بيتها، وسبوها مع عقيلات الرسالة ولم يراعوا فيهن حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

إن الجواب هو من شقّين، إقامة السيدة زينب في دمشق من جهة، ودفنها هناك من جهةٍ أخرى، وإن السيدة زينب كما يجمع الباحثون والمؤرخون من كلا الطرفين، لم تصمت بعد استشهاد أخيها، بل هي واجهت وقرّعت وأنّبت وألّبت، بدءًا من مجلسي زياد ويزيد، وكان مستقرها في المدينة المنورة خطيرًا على أمن الدولة الطاغية، بسبب كلامها ذاك، الذي كان حجةً عليهم وضدّهم، كما أنها كانت الناطقة بلسان ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الذي كان محاصرًا من قبل السلطة كذلك، حيث كانت الواسطة بينه وبين الشيعة، تؤدي عنه حمايةً له من شرّ الحكام الطغاة، فأراد أولئك الحكام أن يبعدوها عن المدينة، فأشاروا إليها بالخروج منها، وهنا نقف أمام خيارين، هل خرجت (عليها السلام) إلى الشام أم إلى مصر؟ علمًا أن لها في كلا البلدين مقام يزار وتتزاحم فيه الأقدام

تدبير الهي

واسترسلت البيطار بالحديث قائلة: "لقد ناقش المحققون الأقوال التي تنصّ على خروج زينب إلى الشام، وهي تتمحور حول كونها نُفيت إلى هناك، حيث كان لزوجها عبد الله بن جعفر ضياعٌ وأماكن، وأنها استقرّت في إحداها واسمها راوية، حيث مدفنها ومقامها الشريف الآن، وقال البعض أنها خرجت في عام مجاعة، ولكن القول الأول أقوى، وهناك قولٌ آخر بأن السيدة زينب (عليها السلام) خرجت إلى مصر حيث أقامت مدة ثم مرضت وتوفيت ودفنت فيها، ولكنه رأيٌ لا تدعمه الوثائق التاريخية، وهذا وما يجعل الخبر ضعيفًا..

مهما يكن سبب انتقال السيدة زينب عليها السلام إلى بلاد الشام، وهو ما يرجحه معظم الباحثين، إلا أنه حتمًا كان تدبيرًا إلهيًّا، فقد كانت ثمرته هذه البركات التي نراها اليوم من وجود الشيعة في تلك الأماكن التي كانت مقر العاصمة الاموية ومركز ثقلها، أي أن الفكر الزينبي الحسيني قد انتصر ، وها هي زينب التي أرادوا إذلالها تشمخ فوقهم عبر التاريخ"

دور استثنائي

 

وعن سؤالنا من أن السيدة زينب قدّمت بين يدي سيد الشهداء عليهما السلام ولدين من أولادها، فلماذا لا يتمّ التركيز على هذا الأمر واعطاءه حقه من الاهتمام؟

توضح الدكتورة رجاء ذلك: "إن عظمة شخصية السيدة زينب تحيط بكل مراحل حياتها ومماتها وما بعد مماتها، ولعل تركيز الباحثين الذي كان منصبًّا على دورها العظيم بعد كربلاء، وحمايتها للإمام زين العابدين (عليه السلام) ومواجهتها للأعداء بصلابتها وإيمانها ويقينها الذي لا يماثله إلا يقين المعصومين، إن ذلك التركيز قد جعل الاهتمام يتمحور حول ذلك الدور الاستثنائي، ويغفل قليلًا دورها كأمٍّ لشهيدين عظيمين من شهداء كربلاء، هما عون ومحمد ابني عبد الله بن جعفر، ولعل السبب أيضًا يعود إلى أن السيدة زينب نفسها لم تعطِ لولديها من الاهتمام بمقتلهما، حسب الروايات التي تنقل المقاتل، مثل ما أعطته لمقتل علي الأكبر والحسين والعباس (عليهم السلام)، ذلك أنها ومع أمومتها العظيمة التي تقتفي أثر أمومة أمها الزهراء (عليها السلام)، كانت تقوم بدورٍ مصيريّ لا بدّ لها خلاله من تقديم دينها على نفسها، وبما أن الحسين هو إمامها لا أخوها فقط، وبما أن شهداء كربلاء كانوا متوّجين بعلي الأكبر شبيه النبي وبالعباس قائد الجيش الحسيني وذراع الحسين الأيمن، فإن شهيدي كربلاء ولدي الحوراء كانا أقلّ شأنًا عندها من هؤلاء، فلم تخصّصهم باستثناء، وكان ذلك من معالم إيثارها لدينها وإمامها على نفسها وولديها.

وذكرت البيطار حديثاً شيقاً عن حياتها مع زوجها بالقول:

وما يخص زوجها عبد الله بن جعفر هو ابن جعفر الطيار أخي أمير المؤمنين (عليه السلام)، أي أنه ابن عم الحوراء، وقد حاز شرف الزواج بها فقد كان كفؤًا كريمًا، وكان يسمى بين العرب ببحر الجود لشدة سخائه وكرمه، وخلاصة القول أن عبد الله تزوج من زينب (عليها السلام) وولدت له عليا وعونا الأكبر ومحمدا وعباسا وأم كلثوم، فأما محمد وعون فاستشهدا في كربلاء، أما عن عدم ذهاب عبد الله مع زوجته في جملة أصحاب الحسين (عليه السلام)، فليس ذلك سببا للطعن في محبته وولائه له، بل إن الحسين (عليه السلام) قد ترك خلفه بعض الأشخاص المخلصين من نساء ورجال، بإيعازٍ منه هو نفسه سلام الله عليه، وذلك لأنهم كانوا مكلفين بدورٍ ما، كأخيه محمد بن الحنفية، وكالسيدة أم البنين وغيرهما، ولا يستبعد أن يكون عبد الله بن جعفر قد بقي لنفس الغرض، وليس أدلّ على شدة ولائه للحسين (عليه السلام) من إرساله اثنين من خيرة أولاده معه، هما محمد وعون، وموافقته على خروج الحوراء (عليها السلام) معه، وكان ذلك شرطٌ اشترطه أمير المؤمنين على عبد الله عند عقد زواجها، وهو أن لا يمنعها عن الخروج مع الحسين، وهذا ما كان، أما عدم خروجه هو نفسه فليس السبب واضحًا تاريخيًّا، وأحد الأسباب المطروحة أنه كان قد كُفّ بصره!

وعن دورها في الثورات التي حصلت بعد الطف اجابت البيطار؟

السيدة زينب وقفت في وجه ابن زياد ويزيد وظلّت تجاهد بالكلمة وتبيان فعل الظالمين بها وبأهلها، وإظهار الحق الذي استشهد من أجله الحسين (عليه السلام)، ولم تتراجع عن عزيمتها وإصرارها على تبيان الحق، وقد كان لكلامها أثرٌ عظيمٌ في نفوس المسلمين الذين ثاروا في وجه الطغيان الأمويّ بعد ذلك، وأرادوا أن يثأروا لسيد الشهداء، ولئن لم تكن لها مساهمة مباشرة في تلك الثورات، إلا أن كلامها وحديثها هو الذي أشعل فتيلها وألهب النفوس وأيقظ الضمائر الغافلة، وبذا تكون هي السبب الأول والأهم لتلك الثورات، وإن لم تشارك فيها بشكلٍ مباشر

فخطبها وكلماتها الخالدة ومواقفها العظيمة التي واجهت بها الظالمين بشجاعة متناهية وبطولة غير مسبوقة، يؤدي بنا إلى فهم العديد من الرسائل أن تصل إلينا عبر التاريخ، وليس هناك ما هو أجدر وأقوى من الخطاب في لغة العرب لأداء الرسائل الخالدة، وبهذا نلتفت إلى أن قوة الكلمة أشد من قوة السيف.