كثيرا من الآباء يشكون من تصرفات وتمرد ابنائهم على القيم النبيلة السائدة التي يجب احترامها بوصفها دعامة الشخصية المتزنة، وفي الوقت ذاته يدافع الابناء عن مواقفهم على أساس متغيرات واشتراطات الزمن الراهن، وهنا تخلق فجوة عميقة من التوتر والصراع بينهما تصل إلى درجة انقطاع الحوار لبقاء الآباء على آرائهم والابناء على سلوكهم المتمرد وتحصل القطيعة، بهذا الشأن استطلعنا آراء المختصين.

 

د.جوان عبد الله تقول:" الوقت الحاضر يشهد المجتمع بأكمله حالة عدم توازن في كل العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقة بين الأبناء والآباء التي تشهد حالة من فقدان التوازن ودرجة من الأختلال في مقوماتها الاساسية على مستوى نسبة كبيرة في المجتمع الاجيال الجديدة اجيال نشأت في مجتمع أزمة.. والأدق ازمات متتالية من حروب وصراعات وأزمات اقتصادية وتصاحبها حركة انفتاح كبيرة على العالم الخارجي ودخول عناصر معنوية ومادية جديدة للمجتمع جاذبة للجيل الجديد، خلقت نوعا من الاغتراب الداخلي بين ماهو مطلوب منه وبين ما يراه ويجذبه"

وتابعت: "يعود هذا الاختلال و التوتر الى نشوء فجوة بين الابناء و الاباء (فجوة اختلاف جيلين) وفقد لغة الحوار والتفاهم لمتطلبات الجيل الجديد والتغييرات السريعة المتكررة هي السبب الرئيس بالأضافة لطبيعة التربية ومدى الاهتمام بمتطلبات الابناء وفهمها والمتابعة ومنح الوقت وخلق علاقة افقية تتسم بالفهم والتقبل وغرز قيم اصيلة منذ الصغر، ومن أسباب الفجوة المتوترة عدم محاولة الآباء التقرب من الأبناء والعكس صحيح بعد الأبناء من الآباء والقسوة والتزمت في اسلوب التربية.

ثقافة تربوية

واكد أ. د. نجاح هادي كبة في العلوم التربوية والنفسية: " إن العلاقة بين الآباء والابناء علاقة حب واحترام وتعاون لبناء الاسرة نواة المجتمع ولكي يسود التفاهم بين أفراد الاسرة أن يتجاوز الآباء التزمت في فرض ثقافتهم التربوية على ثقافة الابناء، فمن المعلوم ان لكل جيل ثقافته التربوية وقد تتفق مع الجيل التالي او قد تختلف معه ولا يمكن الوصول إلى ثقافة تربوية موحدة بين جيلين لاختلاف العوامل المحرّكة للثقافة بين الجيلين سواء أكانت هذه العوامل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية كما لا يمكن ان يكون انقطاع بين ثقافتين تربويتين بين جيل وآخر، ويبقى الحوار بين الآباء والابناء هو الفيصل لبناء ثقافة تربوية ملتزمة."

قيمة الابوة

أوضح الكاتب والناقد علي سعدون إلى أن توتر العلاقات يؤدي إلى الخراب الثقافي ويأخذ بالمجتمع إلى حالة من حالات التردي العام، لا أعني هنا الثقافة بوجهها المعرفي، إنما بوصفها العادات والتقاليد والأزياء والصورة الجمعية للمجتمع بشكل عام، وهي صورتها الحقيقية التي تتسع هنا لتمثل الحياة ببعدها الانساني، ويعمل ذلك على إرباك العلاقة من خلال الانحطاط الذي يعيشه الأبناء ويفقدون بسببه الإحساس العميق بقيمة الأبوة التي تكاد تكون مقدسة، بل هي مقدسة بالفعل في وجداننا وموروثنا الاجتماعي والثقافي ويعتقد سعدون، ان الثقافة الرصينة والمستقرة إذا ما أتيح لها أن تشيع وتسود بوسعها جعل من تلك العلاقة سامية وفاعلة ونبيلة أيضا.

استجابة

أشارت مدير تحرير مجلة (مجلتي) وثقافة وأدب الأطفال د. ضحى عبد الجبار: "قد يرجع التوتر بينهم إلى أنّ الأبناء قد يرتكبون بعض الأخطاء، ولكن الآباء لا يحاولون فهم تلك الأخطاء ولا كيفية حلّها بأسلوب التفاهم والتعاطف مع أبنائهم ويعدّونها أخطاء صعبة جداً ولا يمكنهم تجاوزها وتصحيحها معهم مما يؤدي إلى حدوث الخلافات الكبيرة معهم وعمل شق في علاقاتهم، وهناك أيضاً رغبة الوالدين في أن يروا أبنائهم يحققون كل ما يصبون إليه منهم حتى لو كان لا رغبة للأبناء فيه، وهذا بدوره سيكون أحد أسباب التوتر لأنه سيجعل الأب ينظر إلى ابنه إنه فاشل ولم يستطع تحقيق ما أراده هو منه"

وتابعت عبدالجبار: "أما بالنسبة للأطفال وعلاقتهم مع آبائهم فيمكن أن نحدّدها بعدة أنواع فهناك العلاقات التي يشعر من خلالها الطفل بأنه يستطيع أن يعتمد على أبويه في كل شيء وإنَّ طلباته مجابة وأنهما يدعمانه في أي وقت، وعلاقة أخرى يكون فيها الطفل غير مدعوم من قبل والديه لدرجة إنّه لا يمكنه اللجوء إليهما فيما يريده:

وشائج

يرى الكاتب عباس الصباغ: "إن تربية الأبناء والفروق الحاصلة بين جيل الآباء وجيل الأبناء وعدم التشابه الزمكاني بينهما ويتبعهما اختلاف طرائق التربية بين الجيلين وحدوث فجوة معينة في ذلك، وهذا شيء متعارف عليه فالآباء يختلفون نوعا ما عن الابناء، ومن منتصف القرن الماضي والى الآن مرورا بالعقدين اللاحقين لمطلع الالفية الثالثة بدأت الفجوة بين جيل الاباء وجيل الابناء صار الأب في واد والأبناء في واد اخر كأن الجميع اولاد علَّة ولايجمعهم سوى القرابة وصلة الرحم فتغيرت القيم والمثل وحتى الاعراف المتوارثة ومنظومة الوشائج القرابية وازدادت الفجوة

خاصة بعد حدوث الثورة المعلوماتية والبرامجية والاتصالية وأصبح العالم كله عبارة عن قرية صغيرة ولكن في المقابل أصبح البيت الواحد عبارة عن كون فسيح مترامي الأطراف لايكاد يجمع المنضوين تحت سقفه برباط فكري واحد أو تتواشج رؤى الاباء والابناء.