تأبى كربلاء، وأربعينيتها أن تأخذ على عجل، أو أن تكون كرمشة عين، أو رشفة ماء، فهي من فرط عظمتها، وضخامة أحداثها، ومنتوجها الثوري، الذي اعترض على النفاق والجدل، ووقف صخرة في وجه تغول حكم عضود، وسنة جاهلية، وعرف عصبي، وحول المحنة إلى منحة، والعسر إلى يسر، وانتشل الوعي الأصالي، والفهم الأصيل، والتأويل الملائم، لقطع الطريق على الوعي المخنوق، والمقموع، والفهم المبتذل السقيم، بعلم عقائد مجسم، أو بعلم كلام خادع ومموه، وبعلم فقه ينهض على العسف، وعلى احتكار الاجتهاد، لتوجيهه ليكون عقبة في طريق اجتهادات أخرى، وليكون أيضا تكئة لصرف الإجتهاد إلى خدمة الكيانات المغاصبة، والإرادات المنتهبة، حيث استطاعت كربلاء بزخمها وقوة مفعولها، واتصالها بالمنابع الصافية، وتمثيلها للإسلام الأصيل، أن تزرع في أوساط المسلمين، أنها قد أفلحت في وضع حد للوعي الزائف، والفهم السقيم، وقهرتهما ودحرتهما، وأسقطت أوثانهما، وأوجدت جبهة من القوة بمكان، كانت ومازالت هذه الجبهة، متصدية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، ليس لجمهور المسلمين كأفراد وجماعات بلحمهم ودمهم، أو بحضور أجسامهم وشخوصهم، بل لتاريخ عرفوه على غير وجهه وأدركوا محتواه، واستوعبوه وتمثلوه، بعيدا عن معانيه الحقة، ومضامينه المستحقة، فأوجدت جذوة في ركام الرماد، لم تلبث أم توهجت واشتد لهيبها، فها هي في زماننا وفي عصرنا، بل في زمن انتشار الحداثة، وتحكمها، وبروز نهضة الغرب، وتعملقها تكنولوجيا وتقنيا، تناول مذاقها، وتمتع بطعمها، وتسبي الناظرين والمشاهدين، بهيأتها البهية، ولونها الزاهي، فها هي الآن تعنو إليها العقول، وتجذب إليها الإرادات لتنحني، وتشبع المشاعر بما كانت محرومة منه، إن الحزن فيها ثمن يجب أن ندفعه، وإن الأسى فيها تكليف وكلفة لكل مسلم ومسلمة.