تحديات كثيرة تواجه الأسر الحديثة، لا سيما مع دخول المكننة وشبكة الإنترنت، فأصبحت الحياة تختلف عن الماضي، إذ أوضح د.عبد الكريم خليفة (أخصائي إرشاد نفسي وتربوي)، أن النمذجة وهي أن الطفل سواء كان ذكر أو أنثى، يكون سلوكهما متطابق للأب أو الأم أو للأخت الكبرى، وهذه النظرية أو المحاكاة أو التقليد، هي التي تأسست عليها المجتمعات المثالية، وهي التي أنشأت القيم، لأن الطفل يولد ويطبق ما موجود بأسرته، من شخصيات ورموز ونماذج بشرية داخل أسرته، من عم وخال وهذا جانب مهم، أما الآن أصبح الطفل يولد ويقلد النماذج الإلكترونية في منصات التواصل الاجتماعي، وبالتالي يصبح سلوكه شاذ ومضطرب، يفتقد لخواص القيم والتقاليد الموجودة في المجتمع، لأن العادات تنقل من جيل إلى آخر، لهذا أصبحت هذه العادات مبتورة بدخول الوسائل الحديثة لعالم الأسرة.

مشكلات اجتماعية

وأشار خليفة إلى أن هناك جانب مهم، وهو أن كثير من الشباب اليوم ذو شخصيات ضعيفة، غير قادرة على تحمل المسؤولية في الحياة العملية، لذلك نجد زيادة انتشار المشكلات الاجتماعية، كالطلاق والفشل في الحياة الزوجية، وسوء التوافق، وكثرة الخيانات في العلاقات، وكل هذه لأن التنشئة الاجتماعية غير ناضجة للأبناء، ما تجعلهم غير قادرين على مواجهة الحياة، كما أن هناك موضوع آخر وهو أن البصمة أو الهوية الجنسية للذكر أو الأنثى قد اضطربت، فنجد أن بعض سلوكيات الاناث مطابقة لسلوك الرجال، وبعض الشباب سلوكهم يشبه سلوك الاناث، وكل ذلك بسبب العوامل التي اقتحمت مجتمعاتنا، ومنها الحداثة، وأيضاً المجتمع اليوم غير قادر على تهيئة الرجل بمكانته أو المرأة بمكانتها، ما يسبب بحدوث مشاكل في الحياة الأسرية، لأن المرأة تبحث عن رجل بصورة أبيها، كما تؤكد "عقدة الكترة"، والرجل يبحث عن امرأة بصورة والدته وفقاً لعقدة "أوديب"، لذلك لا يجدان ما يطمحان له، إضافة إلى أن هناك بعض المشاكل الاقتصادية ومنها أن الشاب يبحث عن الاستقلالية، لهذا نجده يكون له غرفة خاصة وجو ملائم، وهذه صعوبات الحياة لا يستطيع الآباء توفيرها حتى للطفل، الذي يحاول الانعزال، وحين لم تتوفر تلك المستلزمات قد يتجه الأبناء أحياناً للتفكير بايذاء انفسهم، من خلال الانتحار، لا سيما أن هناك من يقلد بعض الأفلام والأعمال الدرامية في شاشات التلفاز، بخاصة بعض الفنانين يقدمون محتوى بشع عن الحياة بشكل سلبي، وهناك أبناء يهربون خارج المنزل، والتحدي الآخر هو أن الأب غير قادر على ضبط سلوك أبنائه، وإذ استخدم معهم العنف يلجأ الأبن لإيذاء نفسه، لذلك يضطر بعض الآباء لتقديم الرشوة لأبنائهم، كالهدايا والألعاب، في سبيل البقاء على السلوك القويم، وعدم جلب المشاكل كالإدمان والتدخين.

أنماط جديدة

ولفت خليفة إلى أنه هناك تحدي آخر، وهو أن المجتمع يتجه نحو الأسر المنفردة، ففي السنوات السابقة كانت الأسر ممتدة، تشمل العم والعمة، والخال والخالة، والجد والجدة، ليشكلون الأسرة، أما اليوم فالزوجة والزوج والأطفال فقط، ويكون الزوجان أحياناً مرتبطان في وظائف، ويعودان من العمل متعبان، ولا يتوفر وقت لقضائه مع الأبناء، لذلك فعملية التنشئة الاجتماعية يشوبها الخلل، ويتعلم الأطفال سلوكيات غريبة عن نمط الأسرة، ما يجعل ضبط سلوكهم عملية معقدة.

وفي هذا الجانب تؤكد لاهاي عبد الحسين، أخصائية علم الاجتماع، إن أهم التحديات التي تواجهها الأسرة الحديثة، أنها اختارت طريق الاستقلالية، والانفصال عن العائلة الممتدة، ما أفقدها عامل دعم اجتماعي ونفسي مهم، لأن ذلك حمّل الأسرة الحديثة مسؤوليات كبيرة، كانت تحملها عنها العائلة المتمثلة بالأقارب، كالجد والجدة والخالات والعمات، وأصبح على الأم في الأسرة الحديثة التفرغ ليوم عمل كامل، لمتابعة أوضاع الأبناء، وخاصة في سن مبكرة، ومراقبة تعليمهم وحاجاتهم، وحتى توفير الوقت الكافي للترفيه عنهم، وتطلب هذا دعم الأب، والتعاون بين الزوجين، وقد لا يتوفر هذا الوقت أحيانا بحكم ظروف العمل، لتأمين مصادر الرزق، والسعي من أجل الأسرة، كما أن فرض نظام التعليم الحديث لفترة أطول دفع بالأبوين رعاية الأبناء تعليميا واقتصاديا قبل أن يصبحوا قادرين على القيام بمستلزماتهم، وأحياناً حتى التخرج من الكلية، وهذه فترة رعاية طويلة، إذا ما أضفنا ثقل الظروف السياسية والاجتماعية العامة التي تتصف بالارتباك، وعدم الاستقرار والظروف الطارئة، ويمكننا تصور الأعباء المتزايدة التي تقع على العائلة الحديثة.