الانتحال بصورة عامة ادعاء شيء ليس له وأخذه استلاباً أي من دون حق أو ملكية. وفي ظل عصر العولمة والسرعة وتطور التكنولوجيا إضافة إلى عوامل مختلفة، أخذت كلمة (انتحال) منحى أوسع وأشكالاً متعددة وهذا ما نشاهده بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي وذلك من خلال إنشاء صفحات وهمية وادعاء شخصية مزورة، لأجل تحقيق هدف معين أو لكسب تعاطف الآخرين بطريقة مخادعة.

هل ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على زيادة ظاهرة الانتحال؟ وهل هناك أسباب ودوافع نفسية تؤدي إلى تزوير ؟ وما هو دور القانون في ذلك؟

 

النافذة الإجتماعية

تحدّث د. عدنان المسعودي قائلاً: "إن موضوع انتحال الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي ذو مضاعفات اجتماعية خطيرة وأسباب هذه الظاهرة متنوعة، بعضها معروفٌ وواضح والآخر نجهل أسبابه، هذه الظواهر شائعة في كلّ المجتمعات ولكنها تكثر في المجتمعات القهرية أو ذات الطبيعة الاستبدادية.

فالمجتمعات المنغلقة والمتعصبة فكرياً والتي تسودها أفكار متشددة وترفض تعدد الآراء وتقبلها، أفرادها قد تلجأ إلى إمّا: التكيّف والتعايش، أو الرفض والتمرد فالهجرة، وغالبا ما يلجأون إلى الخيار الأول.

والإنسان المتعايش والمتلائم مع قيم وعقيدة مجتمعه القهرية لا بد أن تتولد لديه عدّة نسخ اجتماعية بديلة، تنسلخ عن شخصيته الحقيقية وتتحوّر إلى شخصيات بديلة عن الرئيسة أو الشخصية الأم بعد ذلك تضمحل وتختفي الشخصية الرئيسة، فلا يعود يشعر بها، بمعنى يتم دفنها في اللاشعور، هكذا تعيش في شخصيات انشطارية زائفة، بذلك تموت عناصر الإبداع وتضمحل المواهب لأن الفرد يعيش من أجل أن يرضى عنه المجتمع.

 

وأضاف: إنَّ شخصية الإنسان البديلة أو الزائفة هي نسخ شخصية مموهة ومبرّمجة اجتماعيا لأنّها بالأساس لا تعبّر عن إرادته الحقيقية ولا عن إرادته الطبيعية، ومن ذلك أصبحت النسخ الاجتماعية المتحوّرة لا تغضب من أجل كرامتها بل تغضب لأجل كرامة أسيادها، وحين تزول شخصية الإنسان الأم أو الحقيقة تزول معها الإرادة وينطفئ منها نور العقل فهي تعيش في ظلام دامس وكثيراً ما تشعر بالخوف، والاضطهاد، ولا تثق بالأخرين وتنتقد سلوكيات الأخرين، وحين يريد المنتحل أن يعبّر عن أرائه السياسية أو الدينية أو العاطفية أو الاجتماعية لا يجد لديه الإرادة ، ولا العقل فيضطر أن يتناول قناعاً مهملاً لديه ليعبّر به عن انفعالاته وعواطفه المشوّهة وهكذا تتعدد صفحاته التواصلية بتنوع رغباته وانفعالاته المكبوتة.

  

صوت القانون

المحامي منير الفتلاوي يقول: "‏الانتحال في القانون هو أخذ دور أو شخصية غير حقيقية لخداع الآخر أو إيهامه بها كي يمرر ما يريد فعله، وانتحال الشخصية بأي صورة لابد أن يحمل مجموعة من الثوابت كي يجرم ويعاقب عليه في القانون، وتتمثل بالقيام بخداع شخص آخر والنصب عليه وهذا ما يعرف بالركن المادي، وكذلك قيام الشخص المنتحل للشخصية بإرادته دون إكراه و أخرى أن يكون الفعل ظاهراً وليس بالتهديد أو الادعاء بالانتحال إن تحققت تلك الأركان أصبح هنالك جرم يعاقب عليه القانون ولا يهم إن كان في الواقع أو على منصات التواصل أو العالم الافتراضي.

فالقانون العراقي أفرد مواد خاصة تتحدث بصراحة عن الجريمة التي تكون مركبة (الانتحال والاحتيال) وهي جريمة انتحال الشخصية وحسن فعل المشرع العراقي عندما أفرد مواد وقرارات مشددة لهذه الجريمة بدأ من القرار (160) لسنة  (1983) وكذلك المواد (260 و262) من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن (5) سنوات وغرامة وبعد سير الحياة، وفق العالم الافتراضي ولا حاجة وجود مواقع التواصل وغيرها كانت هذه الجريمة أيضا حاضرة وكان هنالك دور كبير للمشرع العراقي بالحد من هذه الجريمة تحدث عنها بصراحة في قانون (31) لسنة (2013)، الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات فتنص المادة الحادية عشر على وضع عقوبات رادعة للحد من هذه الجريمة تتمثل في السجن أو الحبس والغرامة والحرمان من بعض الامتيازات التي يتمتعون بها".

 

 

 

 

إن الإنسان السوي القويم لا يمكن أن يعادي أو يخالف الطبيعة الفطرية التي خلقنا الله بها؛ أي لا يمكن أن يعيش بالتناقض الفطرة السليمة لبناء شخصية الإنسان صحيحة .فالاختلاق أو المخادعة والادعاء يكون بتشوه الشخصية الإنسان وذلك بسبب عدة عوامل وأهمها الجهل وعدم معرفة ذاته والهدف المنشود لخلقه على هذه الأرض ،فيعيش تحت صراعات الذات البشرية وما تمارسه على المجتمع من آراء متعسفة وكبت والعنف والقهر، فتحديد الشخصية والذات عن مسارها الحقيقي.