إن التفرّد الذي يمتاز به كلُ مخلوق على وجه هذه الأرض هو ما يمنحه خصوصيته وأصالته، فكلُّ الكائنات التي أبدعها الله لها صفات تختلف عن سواها، بل وحتى المتشابهة منها ظاهرياً فيها اختلافات ومزايا، ويتربّع الإنسان على عرش هذا التمايز التكويني، حيث يتمتع كلّ شخص منا بصفات مغايرة تمنحه مزايا تحافظ له على استقلاليته وفرادته.

يأبى الكثير من الأشخاص في عصرنا الحاليّ إلا أن يطمسوا هذه الفطرة النبيلة، فينساقون خلف سُبل التقليد والنسخ، فيجردّون ذواتهم مما تتمتع به من مآثر، وينكبون على محاكاة حيوات الآخرين وتقليد طريقتهم في العيش والملبس والمأكل، حتى يصل الأمر لطمس كامل للهوية الذاتية والانغماس الكّليّ في التشبه بالآخر، فيضيعُ المرء ويضيّع وجوده وكيانه مختالاً بمظاهر مزيّفة لا تسمن ولا تُغني من جوع.

تُحدد وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنلوجي الذي يزدهر في الوقت الحالي بصورةٍ تثير القلق معايير بشرية شكلية وجمالية لم تُحدد من قبل بهذا الكم من الكثافة والانتشار، حتى بات الفرد يعيش في قلقٍ نفسي ومجتمعي خشية أن لا تنطبق عليه هذه المُحددات وأن لا يصل للصورة النمطية التي لا تعبر عن رضاه الذاتي بقدر ما تكيّف نفسها وبآليةٍ مضغوطة لتوصل صاحبها للرضا المزيف الذي يُغدقه عليه الآخرون بوصفه أمسى نسخةً طيّعة ومستجيبة للجمع المسيطر من الأقران والأفراد المحيطين به واقعياً أو الكترونياً.

يفقد الكثيرون ثقتهم بأنفسهم لانهم يفتقدون المعيار الفلاني هذا أو ذاك والذي لا احد يعلم كيف ومتى وأين أصبح هذا المعيار أو ذاك مقياساً قومياً للجمال والملاحة وحُسن الخُلق! يهرع عددٌ ليس بالقليل من الناس في السنوات الأخيرة للحصول على شكل محدد ونوع ملابس من علامات تجارية مرموقة وسيارة من الطراز الفلاني وإلا فإنه سيشعر بالدونية وانخفاض مستوى احترام الذات.

أكدت الكثير من الدراسات اكتشاف ترابط كبير بين زيادة حالات الاكتئاب وبين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت دراسات أكدّت التأثير السلبي لهذه المنصات على الصحة النفسية، ومنها حالات من القلق النفسي والإدمان والعزلة وانعدام الثقة بالنفس.

وأكدّت دراسات أخرى على التقليل من استخدام منصات مثل Facebook و Instagram كأحد الوسائل العلاجية للتقليل من أثر الأمراض النفسية.

إن العلاج الحقيقي يبدأ منك أنت، فكر أن تجلس جلسة تأملية مع النفس لتستذكر كم أضعت من وقتك بالمقارنات بدلاً من استغلاله لصالحك. حياتك ملكك، لا تشبه حياة أحد آخر، حاول أن تقتنع بمحيطك الذي تعيش به، بالأشياء التي تمتلكها، بالأفكار الصالحة التي تؤمن بها، حاول تطوير نفسك، ركز على حياتك، أوصل نفسك إلى السلام الداخلي الذي سيشعرك بالراحة والأمان، عندها ستصد أي فكرة تشغلك بالمقارنة وعندما سيُدق باب عقلك مرة أخرى لن تفتحه؛ لأنك ستكون مكتفي ومشغول بك فقط وليس لديك وقت لتضع ذاتك الثمينة في كفةٍ ميزانٍ مع أي شخص آخر.