ليس غريباً القول إن واقعنا التربوي في تدهور ليس الآن، وإنما منذ حقب زمنية بعيدة, بمعنى خضع التعليم إلى نوع من التراكم في الإهمال وضعف الاهتمام، والارتجال في بناء الأسس المادية والتقنية للنهوض بمستوى التعليم, شأننا شأن الشعوب التي سبقتنا في هذا المضمار متجاوزة العقبات والإرث السلبي خاصة جرّاء الحروب؛ لذا فنحن خضعنا إلى الروتين في معظم ما من شأنه مساعدتنا في ذلك، واكتفينا بالتقليدية في الوسائل, وهذا ينحصر في جملة جوانب نستطيع أن نجملها في الآتي: 

1ــ الاعتماد على عشوائية إعداد الكادر التعليمي، وفق مخطط تشترك فيه معظم الوزارات ومنها التخطيط والمالية، لضمان تهيئة مجالات لعمل لهؤلاء الخريجين, إن قبول الدورات السنوية لمعاهد المعلمين يتوجب أن يأخذ بنظر الاعتبار الإمكانية المالية، وفق خطة خمسينية مثلاً لسد الحاجة للكادر وفق التطور العام للبلد, كما يتوجب أن نخضع ذلك إلى معيار الكفاءة واللياقة واختيار التخصص, غير أن ذلك لم يؤخذ به، مما خلق حالة البطالة لمعظم الخريجين، الذين لا يتوافق عددهم أمام طبيعة التعليم.

2ــ إعداد البنايات في معظم حالاتها لا يتناسب مع الانفجار النوعي والكمي من الملتحقين في المدارس, وبنتيجة هذا حصل إرباك في الدوام، فبعد أن كانت المدرسة الواحدة تشغل البناية الواحدة، غدت البناية تستوعب الدوام المزدوج ثم ثلاث مدارس، كذلك وصل إلى أربع مدارس في البناية الواحدة وهذا معوِّق للعملية التربوية, وإزاء هذا يتطلب وضع خطة تستوعب التوسع السكاني، وما يكون ضمن دائرة التعليم، لكي يكون بوسع البنايات استيعاب طاقة المجتمع في الإنتاج البشري ونمو الأجيال وتكاثر أفراده.

3ــ الإعداد الجيد للمعلم، سواء كان ذلك في المجال النظري أو العملي, ولعل التطبيقي أهم وسيلة للوصول إلى إنتاج معلم كفء، صاحب رسالة إنسانية، ينظر إلى مصلحة المجتمع من خلال تلاميذه نظرة إيجابية. معتبراً المدرسة أولى العتبات في بناء المجتمع, وهذا يلزمه بطواعية أن يؤدي عمله دون مبدأ إسقاط الفرض، باندفاع يُحسب كمقياس لوطنيته. 

إن ما يجري فيه نسبة كبيرة ينطوي على الأداء الوظيفي فقط؛ بينما العمل التربوي يعتمد بالدرجة الأولى على الإبداع والخلق الجديد، متجاوزا ً الكثير من عقبات المنهج، أو القانون المدرسي الذي يقف حائلاً دون تطبيق طموحاته ونظراته للمهمة التربوية.

4ــ المنهج وهو من العوامل الرئيسية أما المعلم، خاصة ذلك المربي التربوي الجاد, صحيح كما ذكرنا آنفا ً من أن المعلم المُعّد بشكل جيد، وذو رسالة تربوية يتجاوز بعض فقرات المنهج، سواء في التوسع أو التكثيف, لكن المنهج المبني على أسس خاطئة تُربك الأداء التربوي، وتعطل إرادة المعلم في الخلق والإبداع, المنهج يتوجب ارتكازه على الأسس التي من شأنها تلبية الحاجة المعرفية أولاً، وتستطيع تحريك ملَكته البحثية ثانياً، ومحفز لطرح الأسئلة ثالثاً, فإذا اجتمعت كل هذه العوامل والخصائص وغيرها، سوف يكون المنهج ذي قابلية على الأداء الجيّد لأنه ملهم للمعلم ومحفز للتلميذ.

5ــ الإدارة المدرسية فوق كل هذا أن تكون نموذج لقيادة جماعة المعلمين، من خلال الموازنة في القيادة، وأن تكون قوية في مديرها وحنكته اللينة، وقدرة مساعديه, وهذا يبدأ من بدء العام الدراسي ولا ينتهي في نهاية السنة، وإنما يتواصل؛ فالإدارة الجيدة من يقوم مديرها بمساعدة ملاك المدرسة بإعداد برنامج عمل (ورقة عمل سنوية) يدرس من خلالها كل المستلزمات المتوفرة في المدرسة، وتلك غير المتوفرة فيها, متضمنة تلك الخطة، برنامج عمل واسعة يناقشه المعلمون لإبداء آرائهم فيها من حذف وإضافة واستيعاب ما جاء فيها عبر توضيح مدير المدرسة لها، لأنهم الأداة لتنفيذها عملياً, إن خارطة الطريق تحدد الخطوات اللازمة لتنفيذ العمل طيلة السنة.