العديد من الشباب الذين يبغون اكمال نصف دينهم يصطدمون بمشكلة تعيق ذلك، الا وهي قضية غلاء المهور!

فكم من شاب تراجع عن اتمام زواجه، وكم من فتاة مؤهلة للزواج تركها قطاره كما يقولون وراحت تعاني من ازمات نفسية واجتماعية قضت عليها.

فمعظم العوائل العراقية باتت تطالب بمبالغ خيالية حينما يتقدم أحدهم لخطبة ابنتهم.

القصص كثيرة حول هذا الموضوع، والغرابة اشد نحوه:

 

عزوف وتذمر

صدم احمد بطلب أهل نور لمهر قدره 30 مليون دينار مقدما ومؤخرا مثله.. وتساءل كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر تأمين مثل هذا الرقم ونحن في ظروف يصعب فيها حتى على ميسوري الحال تأمينها، فكيف بالشاب الذي لا يملك سوى معيشته ومقدرته على الزواج البسيط المتكامل ان يوفر مبالغ المهور اللامعقولة!

حال الثنائي احمد ونور يمثل شريحة كبيرة من الشباب المقبل على الزواج إذ تعد مشكلة ارتفاع المهور كبقية تفاصيل الحياة التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة ما جعل الشباب يعزفون عن الزواج، متذمرين من هذا الحال… في المقابل وللمفارقة سجل أعلى مهر مؤخراً في المحكمة الشرعية 100مليون لعروس من بغداد.

 

طمع وجشع

يرى علي حسين الجابري أن ارتفاع المهر للزواج هو طمع وجشع أولياء الأمور الذين يعدون بناتهم سلعة يتاجرون بها، كما ان هذه الظاهرة جعلت الاقبال على الزواج في تراجع وعزوف.

بينما تعد مريم كريم طالبة جامعية السبب في ارتفاع مهور الزواج إلى العادات التي تتحكم بنا والتي لا ترحم، فضلا عن التفاخر بالمبالغ فيه، وتترحم مريم على أيام زمان عندما كانت تقام الأعراس في البيوت قبل أن تنتقل إلى صالات الزفاف والفنادق الفارهة التي تكلف الكثير

 

عنوسة 

وتحكي سارة عبد الرحمن موظفة عن أنها ضحية لغلاء المهور ولا تزال تنتظر من سيدفع ما يطلبه ولي أمرها، فكلما تقدم لخطبتها أحدهم احاطوه بالشروط المالية الكبيرة التي لا يمكن توفرها، عليه سار بي القطار حتى توقف عند الاربعين ليكون مصيري (العنوسة)!

وبين هذا وذاك تتزايد أعداد العوانس على ذمة العادات والتقاليد

 

هدية المهر

ويدعو القاضي الشرعي عدنان فهد المساري إلى عدم المغالاة في طلب المهور حسب الحديث النبوي الشريف (أكثرهن بركة أقلهن مهراً) وذلك لأن المهر يعد هدية وحسب إمكانات الشاب المتقدم لطلب يد الفتاة، فارتفاع المهور من أسباب ارتفاع نسبة العنوسة ويجب نشر التوعية بين الناس.. وقد يتفق الطرفان قبل الولوج الى المحكمة على مبالغ المهر، وأحيانا كثيرة يتم الاتفاق امام القاضي وما عليه الا ان يسجل رغبات اهل الزوجين

ينصح القاضي المساري العوائل بأن لا يكونوا حجر عثر في طريق الحلال بين شاب وفتاة يبغيان الارتباط للأجل المال، فكم من زيجات توقفت وبطلت من جراء ذلك، لذلك يدعو الى السلوك المعقول الذي يضمن تأسيس بيت زوجية مبارك. ويضيف القاضي الشرعي: أنه لا يمكن للمشرع أن يتدخل ويحدد المهر المتفق عليه ولكن يمكن توعية الناس عن طريق خطباء ورجال دين منوهاً بأن المغالاة في رفع قيمة المهور تزيد من نسبة العنوسة في المجتمع

 

ارث اجتماعي

الاختصاصي النفسي والتربوي (علاء سالم) يبين أن غلاء المهور في المجتمعات العربية ظاهرة ناتجة عن إرث ثقافي واجتماعي، تراكم عبر القرون الماضية، بالتزامن مع حالة التردي في المستوى التعليمي لأولياء الأمور (أهل الفتاة)، وغياب أي معايير عقلانية ومنطقية لبحث مقومات الشاب المقبل على الزواج، كدراسة حالته الثقافية والتعليمية، ومستوى الطموح المتوافر لديه، ومدى تقارب خصائصه مع مواصفات الفتاة التي يرغب بها الشاب زوجة له، وبدلا من ذلك يتم التركيز على المستوى المادي والاقتصادي للشاب، وتجاهل أي معايير أخرى متوافرة لديه، ما يجعل غلاء المهور من أهم الأسباب المؤدية إلى عزوف الشباب عن الزواج، فالشاب الذي يكون في مقتبل عمره، ويرغب بالزواج يفاجأ ويصدم من قيمة المهر الذي يطلبه أهل الفتاة، وخاصة أنه ما زال في بداية حياته، وتكاليف الزواج غير مقتصرة على المهر فحسب، بل هناك تكاليف الزفاف، والمسكن، وأثاث المنزل، وغيرها من الأمور، فتطول رحلة البحث عن العروس المناسبة التي يرضى أهلها بحال الشاب ووضعه المادي المتيسر، وقد تستمر رحلة البحث..، والطامة الكبرى أنه كلما مرت به السنوات زادت المهور غلاء.

 

 

توعية وموعظة

ويرى الشيخ ماجد العوادي: أنه ورد في الحديث الشريف عن سيد المرسلين محمد )صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قوله (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، فعلى الرغم من أن المهر من حقوق الزوجة في الإسلام، وفي جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية، الا ان الحكمة منه هو حفظ قدر الفتاة المخطوبة، ولم تكن الحكمة منه تعجيز الشباب وإرهاقهم وهم في بداية حياتهم، فلو تمت التوعية بقيم المهور لاتعظنا، فمنهن من تزوجت مقابل تعليمها القرآن الكريم، ومنهن من تزوجت مقابل أن يحفظ الزوج القرآن الكريم، إذا فحق المرأة في المهر، لا يشترط أن يكون حقاً مادياً، بل قد يكون معنوياً.

فبعض الشباب قد يرهقون أنفسهم بالديون والقروض، لتأمين المهر وتكاليف الزواج، فيصبح دخل الشاب في المستقبل مرهونا بقضاء تلك الديون، وتاليا صعوبة الحياة مع قلة الدخل، واستمرار ذلك لسنوات ستؤدي بالضرورة إلى تفاقم المشكلات بين الزوجين، وقد ينتهي الأمر بهم إلى الطلاق في بعض الحالات.