يتعامل غالبيتنا مع الطفل بشيء من اللامبالاة والتجاهل لما يقوله ويطلبه ويفكر فيه, على اعتبار إنه غير قادر على فهم متطلباته ولا يدرك غير حاجاته المادية ولا يعي بطبيعة الحال الجوانب النفسية والمعرفية أو السلوكيات الصحيحة لبناء شخصيته, وبما إن المدرسة الفرويدية أكدت على نمو الشخصية وتكاملها في الفترة العمرية المبكرة (الطفولة) فهنا يعني إننا أمام مسؤولية كبيرة يمكن اختصارها بعبارة (صناعة انسان), فكل أب وأم هما المسؤولان والمعنيان بتكوين هذه الشخصية لكن ليس بمصادرة حق الطفل في صناعة نفسه ذاتيا؛ أي بمعنى توجيهه كأداة ميكانيكية من دون إعطاءه المساحة الكافية لاكتشاف نفسه بنفسه.

قد تختلط المفاهيم عند البعض, ويذهب بعضا منا إلى تساؤلات طبيعية, مثلا: كيف نترك للطفل مساحة من الحرية وهو لا يعرف مصلحته وربما تؤدي هذه الحرية إلى ضرر مباشر أو بعيد المدى؟

نعم.. لدى الطفل عوالمه الخاصة التجديدية لكن فعلا هو غير قادر على التمييز بشكل عام أسوة بمرحلة النضج, ولكن في هذه الحالة علينا تفعيل دورين أساسيين في التربية وهما الرقابة غير المباشرة والتوجيه غير المباشر إلى جانب بعض التوجيهات المباشرة تعقيبا على تصرفات معينة لا يمكن تأجيل التنبيه عليها؛ بمعنى أبسط إن الجيل الحالي طرأت عليه تغيرات اجتماعية وسلوكية وهذا بسبب عامل التطور التكنولوجي الذي بدأ يسوق أطفالنا إلى بيئات غريبة وأفكار أغرب, وهنا قد يتشظى عالمهم الخصب وتتأخر عملية تكوين الشخصية, بحيث ربما تنمو القدرات العقلية والجسمية بشكل طبيعي لكن من الجهة الثانية تحتاج السلوكيات لمدة أطول لتعريف صفات هويته الشخصية أو تتطور لكن بخلاف رغبة الأهل .

وبالرجوع إلى الدورين المهمين الرقابة والتوجيه غير المباشرين فإن طرق التربية الحديثة تقتضي مواكبة التغيرات المذكورة آنفا؛ لذا فإن الطفل الجديد إن صح التعبير لديه رغبات وتطلعات ناتجة عن تلقيه لسيل المعلومات والمشاهد في العالم الافتراضي؛ وبذلك فإن التوبيخ والتصويب الدائم لتصرفاته سيخلق حالة من النفور وعدم التعاطي مع التوجيهات بإلغائها ذاتيا بعد سماعها؛ لأنه يتوقع إن الأهل غير قادرين على تقبل طبيعة الحياة الجديدة, وحق الطفل باستعمال التكنولوجيا سواء للترفيه أو للتعلم, وعليه فإن الرقابة يجب أن تكون بمسافة مناسبة تضمن حماية الطفل, وفي الوقت ذاته تعطيه مساحة طبيعية للشعور بأنه غير مراقب وإن التعامل معه متوافق مع ميوله ورغباته, فضلا عن ذلك هو تقديم الأهل رسائلهم بشكل غير مباشر وبأوقات معينة توفر حالة الانتباه, وعن طريق الحوار, وباستخدام أسلوب القصة لبعض المواقف اليومية أو الماضية يمكن أن نضخ دفعة كبيرة من الارشادات والنصائح التي يتلقاها الطفل بشكل تلقائي وتدخل ضمن منظومة ذاكرته وبالتالي فإن برمجة الطفل سلوكيا تحتاج إلى هدوء وصبر ودراية تامة بالمتغيرات حتى تتوافق العلاقة من دون تذويب لأصول التربية المعروفة ولا فرض أساليب مباشرة توسع الفجوة بين عالم الطفل وعالم الكبار.

إيمان كاظم