لاذت بالدمع وهي تحاول أن تنفض ولو للحظات بؤس السنين معوّلة على البكاء كمن يحاول أن يفصل نفسه عن الوجود العام ليفحص ماهيته .
لكنها في كل محاولة من هذا النوع تستفيق على شعور من ارتطم بجدار أصم! .
لماذا ؟؟
دوّت في رأسها هذه المتاهة التي لم تجد لها كنهاً ؟؟
لماذا الموت ؟؟
لماذا لا ترتوي هذه الأرض إلا بدمنا ولحمنا وتبتلع ما حواليها من قبورنا..
ثم تثمر بدموعنا وعذاباتنا وأحزاننا وحرماننا!!
ـ آه ما أكرم الفقراء !!
ما أسرع اللحظات المريرة وهي تخترق الذاكرة وتنقش عليها بصمة لا تمحوها موجات الفرار ؟
على صهوة أحد الأيام اضمحل الأمل وتعسّر الحال الذي شدني إلى حافات الوقت, وأضحى عملي لا يسدّ رمق الجوع فانتفضت أوجاعي
ما زلت أنتظرهم ليكبروا ويتجاوزوا تصدّعات الجهات المخفية في داخلي, كنت أعرف أن الوقت لا زال مبكراً حينما اقترحت على ابني الذي لم يتجاوز الثامنة عشر عاماً أن يعمل ويدرس في آن واحد, ليمسح الحسرة المراقة على وجوه أشقائه.
تلك الأماني أثقلتني ظمأ في تضاريس دروبهم الطويلة وأنا أهمس بوجعي المرير وحدي، هل عليّ أن أزجّ بولدي ليحمل مصيرنا بعد أن مضى والده شهيداً وهو يقاتل من أجل الأرض والعرض!!
دخل غرفتي مع أول نقطة ضوء من الصباح وهو يحمل معه بزة أبيه العسكرية ليخبرني إن أباه قد زاره في المنام وقال بأنه مشتاق إليه وهو مستعد للحاق به!!!
دوّت صرختي ...لا لا تفعلها ليس بمقدوري أن أعاصر الوجع مرتين فقد اختنق صبري في مسافات الفراق, أمسكت ببزة أبيه سحبتها بقوة إلا أنه تشبث بها حتى انشقت إلى نصفين ..
وما زال بيدي النصف الآخر ليومي هذا..
زهراء جبار الكناني
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري