تراءى لها على بعد أمتار مرفرفا بجناحيه نحوها... فاشتعلت نيران الشوق في قلبها، لم يكن في الشارع غيرها عندما رأته راكضاً نحوها بلهفة، أرادت أن تتأكد... فالتفتت يميناً ويساراً، فتيّقنت أنه كان يقصدها لا يمكن الشك بهذا مجددا.
ـــ يا الله... أيمكن ذلك؟ أيعقل إنه عاد؟!
_ ...............!
تمتمت في سرها!
ثوانٍ تفصلها عن لحظة وصوله لأحضانها المقفرة من السعادة... ثوانٍ معدودة ستُهزم أوجاعها، وتقتل الألم الدفين الذي تملك روحَها، وأفرغ ما تبقى من حياةٍ فيه ... ليحوّل جسدها إلى شبح هزيل، يخيل لمن يراه إنه أمام مومياء فارة من تابوتها، وهي تفضل أن تكون مومياء على هذا الواقع المؤلم الذي سلبها كل ما يمت إلى الحياة بصلة.
كانت الحياة أبشع بكثير من أسوء الاحتمالات التي خطرت على بالها في يوم من الأيام، لم تعد تهتم بالشمس وهي تحرق بشرتها أو للمطر وهو يبللها، كما لم تعد تأبه لأي حادث أو حديث... وهي الآن وسط ضجيج السيارات تقف غير مبالية بالعالم كله سوى بهذا المشهد!
هذا المشهد الذي انتظرته بفارغ الصبر وكأنه حلم جميل... وها هو الآن يتحقق... بدأ قلبها يخفق بشدة وكأنه يريد الخروج من بين أضلاعها ...المسافة التي تفصلها الآن لا تتعدى سوى أمتار قليلة، وها هو يصل... يصل........!
عاد ليلعب مع أطفال الحي، عاد بعد أن أشفق على وقوفها يومياً ساعات طوال في انتظاره وهي تشير إلى مكان السيارة التي فقد سائقها السيطرة عليها... ليختم ابنها ربيعه السابع تحت عجلاتها، وهو يحاول أن يعيد كرته من الشارع إلى الساحة التي كان يلعب فيها مع أصدقائه، فرأته أمامها وهو جثة هامدة... أحست أن قلبها يتمزق تحت العجلات.
ها هي اللحظة الحاسمة تكسر التوقعات، وتقحمها في دوامة الدهشة ...حينما انحنى ذلك الطفل عند قدميها ليلتقط كرته التي استقرت جنبها دون أن تنتبه لها، وركض مسرعاً... يتملكه الذعر من ملامحها الشاحبة، وهيأة الجنون التي أضحت هويتها المستديمة.
إيمان كاظم الحجيمي
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري