لفت انتباهي صوت زوجي وهو يتكلم بحماس عبر هاتفه النقال مع أحد اصدقائه من محافظة البصرة، كان يسأله: متى سيتم تبديل الراية؟ وقبل أن اسأل عن سبب السؤال بادرني زوجي: كل عام يأتي الى كربلاء ليشهد مراسيم استبدال الراية!
وقارنت اليوم بالأمس حين كان يتم هذا الأمر بدون أدنى اهتمام كحدث عابر، واليوم صار مهرجانا جماهيريا ولائيا يعبر عن موقف عقائدي له دلالاته العميقة، تسعى له الأرواح قبل الأقدام مهما بعدت المسافات!
راية حمراء تضجُّ بنداء (يا لثارات الحسين) تتنحى دون أن يخبو صوت استنصارها، لراية أخرى سوداء تُرفع إيذانا للموالين ببدء موسم الحزن والمواساة لأهل البيت عليهم السلام، ولتتجذر في القلوب مشاعر الأسى على ظلاماتهم وماحلَّ بهم من أمة جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وتتنوع المظاهر، وتتعدد، كلٌ يعبر عما يعتريه من حزن بطريقة معينة، ولكن يجب أن لا ينسينا تنوع مشهد الحزن وغزارته الهدف من وراء هذه الشعائر؛ فالإمام الحسين عليه السلام خرج رافعا شعار الإصلاح (إنّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا . . وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي )؛ فراية الحسين عليه السلام راية انبعاث لأجل التغيير والاصلاح، وحرب على الباطل بأشكاله كلها ..
فكل ما نقوم به من شعائر يجب أن لا يخرج عن إطار هذا الشعار السامي، علينا أن نكون مصلحين، وأن نجعل من شهر محرم في كل عام موسما للقيام والنهوض، ونسعى جهدنا لتغيير ما فسد من أحوالنا، علينا أن نرتقي في كل عام ونسمو، ونتكامل ونحن نسير على خطى الإمام الحسين، يجب أن لا تتحول مراسيم حزننا المقدس إلى مظاهر فارغة تحركها دوافع الرياء والتسابق بين الهيئات والمواكب على طول موائد الطعام، وكمية وتنوع ما يٌقدم فيها، علينا ان نملأ عقولنا بفكر الحسين قبل أن نملأ بطوننا بطعامه!
على الموالين في هذه الأيام بالذات أن يثبتوا للعالم انهم حسينيون من خلال سلوكهم، وأن يكون الحسين ماثلا في معاملاتهم، عليهم أن يعكسوا صورة مشرقة لمن ينتمي لمدرسة الحسين، وأن يحاربوا، ويتخذوا جميعا موقفا صارما ضد من يحاول تشويه شعائرهم، أو جعلها ساحة للتباري على سلوكيات لا تخدم القضية الحسينية ولا تنصرها على من يعاديها أو يتربص بها .
إن حب الحسين موقف وسلوك قبل أي شيء آخر، وحتى لا يحضر الحزن بيننا، ويغيب الحسين !
خديجة أحمد موسى
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري