عينان ذابلتان ... هذا كل ما املك .. وقلب مُعّلق على ساعة جدارية ؛ يرقب خطوات ميلها المتثاقل بدقائقه ، فضلا عن ساعاته وأيامه ...

" لم يعد للفرح موعدا " ... هكذا كرر علي قولته مرارا وتكرارا حتى فهمت ووعيت ان الاتصال به للسؤال عن موعد الإجازة يعذبه كما يعذبني ، ولسان حاله يقول " اتركيني لشأني ... اتركيني أجول في ساحات الله حيث عين الحياة ورساﻻت النبيين وأوليائهم .. . " .

كم احتاج من الصبر ... الهي ... ها أنا أتضرع اليك كل ليلة.. . هبني من العزم ما وهبته ، كي أليق به عندك.. .

هكذا مضت اشهر بالبكاء، وأخرى بالحزن، وثالثة بالانتظار المر.. .

معركته هذه المرة حاسمة ... قوية... خطرة ... !

اندفع كعهده ؛ شاخصا عن طيب نفسه.. . متحررا من كل شيء ، حتى مني ، فقد آليت على نفسي التصبر.. . ومرت الأيام ، لم أزعجه باتصال ، ولم أزعج اي قريب صعد للساتر ! .

كنت التزم الدعاء والتسبيح ، والتسبيح والدعاء ، والدعاء و و و و ...

لم يحدث قتال.. . لقد نزل مجازا ، ولله النعمة.. . ونزل أخي لله الحمد.. . ونزل ابن عمي سالما بالنصر ... ونمت ملئ جفوني حتى كأنها نومة في كهف ، استيقظت وقد جهلت الزمان ، في اي يوم نحن ؟ في اي ساعة ؟

ﻻ احد يجيب.. . الكل يغط في نوم عميق بعد سهر الليالي المضنية.   فتحت المذياع فصدمت..  

ــ    انطلقت العمليات اليوم ... 

ويل قلبي .. كم كان ينتظرها دون جدوى ؟

كم تعب من المرابطة، فشحذته بالصبر ؟

كم شكى لي الوقوف ، فعللتها بالحكمة ؟

لم أفق من مفاجأتي الا بخبر استشهاد أمر اللواء !

ويل قلبي ... يوم عصيب يعصف بمن بقي.. . خبر اخر عن مفخخات تتقدم نحوهم بالعشرات ، والحشد صامد يفجرها بأذن الله .

فتحت التلفاز بهدوء ... فإذا بنقل مباشر من ارض المعركة ...

ارى السواتر ... أطلاقات النار ... هاونات تسقط ... والأبطال يتناوبون.. . اسمع صيحاتهم " يا حسين ... يا حسين.. . يا حسين " ...

لقد تصدعت روحي.. . كيف بدء الهجوم وهؤﻻء أمس نزلوا مجازين ؟!

قناص داعشي يترصد أمام عيني والأبطال يتحركون بجوار مدرعاتهم ، صوت الرصاص وهو يصيب جانب المدرعة يصك سمعي.. . فززت.. . صرخت.. . لم احتمل .

ـــ   حسن..  يعقوب..  رياض..  محمد..  كيف نزلتم أمس ؟ السواتر فارغة..  

تذكرت جدتي وعزم قلبها..  صوتها الحازم وكأنها تلومهم .

ـــ   " من نزلك والحرب ترعد ؟"  .

بدأت الموبايلات ترن أمامي ، حملتها لغرفهم بسرعة..  طرقت الباب بعزم ..

ـــ   " إخوتكم بالانتظار " ..

لبنى مجيد حسين