مباركةٌ هي اليد التي تعمل ...
هذا ما علمته اياها السماء .
حين كانت أصغر سناً ، كانت مهامها أقل ، و تبذل جهداً ابسط مما تبذله الآن ، فقد كانت اهتماماتها كلها تنصب على الواجبات المدرسية و بعض الأعمال المنزلية البسيطة لتُعين بها والدتها ، لكنها سنة تلو أخرى كبُرت ، و كبُرت معها واجباتها، باتت تعمل طوال النهار تقريباً، و تسهر كثيراً للدراسة، وهي ترى بقية الفتيات ممن في سِنها يقضيّن وقتهن على شبكات الأنترنت والهواتف الذكية، لا يفارقنها ولو لبضع دقائق، يمتلكن أوقات فراغ لا نهائية ، وعقولاً لشدة فراغها تكاد ترتفع في الهواء ، لهنَّ أيادٍ ناعمة ، لا يُفسدها غسيل الملابس او الصحون ، تتناوب على أظافرهنّ مختلف الوان الطلاء ، ولهنْ حياة متخمةٌ بالرخاء .
لطالما كانت تسمع عن فتياتٍ لا يتكلفنّ حتى بغسل الصحن الذي يأكلن منه ، كانت تحتقرهنّ أيما احتقار، و لطالما شعرت إنهن يشغلن حيزاً من الفراغ دونما جدوى ، وتحمد الله على التعب الذي تُلاقيه ، التعب الذي سبب لها آلاماً في عمودها الفقري في عمرٍ مبكر، و جعلها تتخلى عن الاهتمام بكل الأمور التي كانت تتسابق لأجلها الأخريات ، لم تكن تخرج كل يوم لتحظى بالمتعة والمرح في الأسواق او الزيارات ، لم تكن تشتري كل اسبوع ملابساً وحقائباً و أحذية ، لم تكن تبتاع عطوراً بأسعارٍ خيالية ، ولم تكن تهتم لأن تُعجب اي رجل على وجه الأرض .
كانت تشعر بالرضى لكل هذا ، و لطالما حدّثت الله عن كل أحلامها الصغيرة، و هي تستشعر الحنو و الرضا حين ترفع يدها له بالدعاء والأمنيات وهي تعلم إنهُ لن يرُدها خائبة، ولم يكن يهمها شيء سوى رضاه و مباركته لأيامها .
كانت تبتسم حين تشعر إن الله يرى كل ما تفعله يداها ، وتتأكد من إنه سيكافئها بالخير دائماً ، وإنه لن ينسى كل ما تقوم به .
يدُها مباركة ، وُظّفت لفعل كل ما هو خير، تُنجز أعمال المنزل بكل مستوياتها، كما علمتها الأيام أن تفعل، تطهو الطعام، تغسل الأواني ، تُطعم الأطفال وتعتني بهم .
يدها تسقي النباتات، و تغرس البذور لحياةٍ جديدة، وهي ذات اليد التي تُمسك الكُتب لتقرأها، و تُمسك القلم لتُدون ما يعتمل في دواخلها من مشاعر لا يفهمها البشر .
هي اليد التي تُدلك أوجاع جسد أمها كلما تأوهت ، وتمسك مكان الألم لتقرأ عليه سورٌ من القرآن الكريم ، وهي اليد التي تجلب لها الدواء لتتعافى .
يدها تدرُس وتجتهد ، تكتب الأجوبة في الامتحانات وتنجح بتفوق كل مرة .
يدها تُمسك بأيدي صديقاتها ، تُسندُ من يقع ، و تواسي من يتألم، وترتفع لتناجي ربها ليلاً ، وتمسح دموع عينيها حين تنهمر على خدها ، وتلف الحجاب على شعرها بإحكام ، وتمتد بالصدقة للفقراء.
كل انثى ، صبية أو طفلة أو مسنة ، عليها أن تعلم إنها تملك يداً مُقدسة، باركها الله و سخرها لتُسيّر هذه الحياة .
ولتعلم ؛ إن لولا يديها لما كُبر طفل ، ولا بُني مجتمع ، ولا قامت أمة .
تلك اليد ... هي نصف المجتمع ، و لولاها لما وُلد ولا تربى النصف الآخر .
مريم حسين
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري