يُحقّق الإصلاح الاجتماعي العدالة، ويُسهم في معالجة الظواهر السلبية في المجتمع، وبالتالي يساعد على بناء مجتمع أكثر استقرارًا، وهذا ما كان يصبو إليه الإمام الحُسين (عليه السلام) في خُطَبه، ومنها خطبته (عليه السلام) عندما عزم على الخروج إلى العراق.

المفردات التي رافقت خُطب الإمام (عليه السلام) كانت كالشهاب الثاقب، تخترق الظلم والجور، فتبدأ الخطبة بـ "الحمد لله" كعادة أهل البيت (عليهم السلام)، و"ما شاء الله"، و"لا حول ولا قوة إلا بالله"، فبداية الكلام توظيف قرآني؛ لارتباط أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن ارتباطًا مباشرًا، وقد بدأ الإمام الحُسين (عليه السلام) بالتوظيف القرآني؛ لكونه صاحب حق مغصوب، ولتحقيق الإقناع لدى المقابل، خصوصًا أن بعض الحاضرين في ذلك الزمن كانوا متأثرين بالأحاديث الموضوعة لأهداف سياسية.

 

وبعد الصلاة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

"خُطَّ الموتُ على وُلدِ آدمَ مَخَطَّ القِلادةِ على جيدِ الفتاةِ"

(الموت) هو أول الأمور التي بدأ الإمام الحُسين (عليه السلام) بتذكير الجمع بها، وهو واقعٌ على جميع بني آدم لا محالة.

"وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف"

كان من الضروري أن يذكر الإمام هذا الأمر، لأن الخطاب موجَّه إلى المجتمع كله، وليس محصورًا بزمن الإمام فقط، فأخذ يستعرض مسألة الموت على أنه ليس نهايةً حتميةً للإنسان، بل هنالك لقاء بعد اشتياق، وهذا الاشتياق عظيم، كونه لقاءً بالأهل، لذلك وصفه "اشتياق يعقوب إلى يوسف"، باعتبار أن الجمع كان عارفًا بقصة يعقوب ويوسف (عليهما السلام).

 

"وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه"

يبين للحاضرين أن الواقع الذي سيصيبه سيكون خيرًا، بل سيكون نبراسًا يهتدي به كل مظلوم.

"كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشًا جوفًا، وأجربةً سغبًا، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم"

يعرض الإمام المشهد المنتظر في صحراء كربلاء، والذي سيبقى خالدًا في الأذهان إلى الأبد، وغالبًا سيكون الشرارة التي تُشعل روح التغيير لمحاربة الطغاة والجبابرة، فضلًا عن ذكره للموقع الجغرافي الذي سيصبح فيما بعد رمزًا تاريخيًا خالدًا.

"رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لُحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القُدس، تقرّ بهم عينه، وتُنجَز لهم وعده، من كان فينا باذلًا مهجته، موطِّنًا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحلٌ مُصبِحًا، إن شاء الله"

ثم يختتم الإمام (عليه السلام) خُطبته ببيان مكانة أهل البيت (عليهم السلام) ومنزلتهم العظيمة عند الله، وأنهم عملوا على إعلاء كلمة الله، والعمل بأوامره، واجتناب نواهيه، فالغاية من هذه الخطبة هي توجيهٌ للمجتمع الإسلامي بالدرجة الأولى، وقد بيَّن الإمام (عليه السلام) فيها الدعوة إلى الحق، ورفض الباطل، والإيمان بالله وبقضائه، وبيان أجر الصابرين.

 

أما من الناحية الفنية، فقد تحققت في الخطبة جميع العناصر:

المُرسل: هو الإمام الحُسين (عليه السلام)

الرسالة: التي أراد إيصالها، حيث وجدناه يُوجز الكلام ليتناسب مع الموقف، ومع جميع الأعمار والمستويات الذهنية التي كانت حاضرة.

الفئة المستهدفة (المتلقي): ناسبت الخطبة الوضع الاجتماعي السائد في ذلك الوقت.