في زحام المواسم المليونية، وبين تفاصيل النشاطات النسوية التي تحمل روح التبليغ والدين، كانت هناك عدسة تلتقط ما لا يُقال، وتروي حكايات مكتظة بالمشاعر والمعاني، تلك العدسة تمسك بها قلب قبل أن تمسك بها يد، قلب المصورة حنان، إحدى مصورات العتبة الحسينية المقدسة.

من خلف الكاميرا، لم تكتفِ بتصوير المهرجانات والنشاطات، بل شاركت بروحها في كل ما تنقله، حتى دخلت في أصعب الأماكن وأكثرها وجعاً: سجن النساء المركزي، حيث كانت صورتها وسيلتها لقول ما لا يُقال، لإيصال صوت لا يُسمع، حنان ليست فقط شاهدة على الأحداث، بل صانعة لذاكرة بصرية تشهد على نبض العتبة وجهودها.

في هذا الحوار، نغوص في تفاصيل رحلتها، من أول ضغطة زر إلى التغطيات الكبرى، من الخوف إلى الجرأة، ومن الصورة العابرة إلى الرسالة العميقة.

 

-      لو نرجع للبداية.. متى بدأ الشغف بالتصوير يتحوّل إلى عمل حقيقي داخل العتبة الحسينية؟

-      منذ زمن بعيد، كانت الكاميرا رفيقتي الصامتة، لكن رحلتي الحقيقية بدأت حين وضعت أول خطوة لي داخل أسوار العتبة الحسينية، هناك، وجدت أن للصورة رسالة أعمق من مجرد توثيق لحظة، وجدت أنها قادرة أن تهمس بما تعجز الكلمات عن قوله، وتنقل روحًا تتنفس من قدسية المكان.

 

-      تغطية نشاطات "شعبة التبليغ الديني النسوي" ليست بالأمر السهل، خصوصًا من ناحية الخصوصية والروحانية، كيف كنتِ توفّقين بين الحس الفني واحترام قدسية المكان؟

-      بدأت حكايتي هناك، بين وحدات التبليغ، حيث كل فعالية كانت تفتح أمامي بابًا جديدًا من الحكايات، ومع الزمن، اتسعت المسافة، لتشمل قسم الشؤون الدينية، عالمٌ أكبر يتطلب عيونًا أوسع وقلبًا أكثر احتواءً، ورغم اتساع الخُطى، بقيت وفية لصوت الحقيقة، أنقل نور الجهود وسط عتمة لا يراها إلا القليلون.

 

-      من تغطية نشاطات محدودة إلى عمل أوسع مع قسم الشؤون الدينية، كيف تطوّر دوركِ كمصورة داخل العتبة؟

-      بدأت حكايتي هناك، بين وحدات التبليغ، حيث كل فعالية كانت تفتح أمامي بابًا جديدًا من الحكايات، ومع الزمن، اتسعت المسافة، لتشمل قسم الشؤون الدينية، عالمٌ أكبر يتطلب عيونًا أوسع وقلبًا أكثر احتواءً، ورغم اتساع الخُطى، بقيت وفية لصوت الحقيقة، أنقل نور الجهود وسط عتمة لا يراها إلا القليلون.

 

-      غطيتِ مهرجانات كبرى ومواسم مليونية، كيف تتعاملين مع ضغط الأعداد الهائلة وزخم الأحداث، دون أن تفقدي تركيزك على اللقطة؟

-      في مواسم المليونيات، كنتُ أُجهز نفسي كمن يستعد لرحلة داخل إعصار، أضع خطتي في عقلي، وأُصغي للنبضات الخفية للأماكن، وسط الزحام، أختبئ في هدوئي، اصطاد اللحظات التي لا تنتمي للضجيج، بل للهمس، فبعض الصور تولد من صمتٍ لا يسمعه إلا قلب المصور.

 

-      من التجارب الجريئة التي خضتيها كانت زيارتكِ لسجن النساء المركزي بالحلة، كيف عشتِ تلك اللحظة؟ وماذا غيّرت فيكِ إنسانيًا ومهنيًا؟

-      في مواسم المليونيات، كنتُ أُجهز نفسي كمن يستعد لرحلة داخل إعصار، أضع خطتي في عقلي، وأُصغي للنبضات الخفية للأماكن، وسط الزحام، أختبئ في هدوئي، أصطاد اللحظات التي لا تنتمي للضجيج، بل للهمس، فبعض الصور تولد من صمتٍ لا يسمعه إلا قلب المصور.

 

-      هل هناك صورة التقطتيها وشعرتِ أنها "أثمن من مجرد لقطة"؟ احكي لنا عنها.

- بعض الصور لا تموت، تبقى كوشمٍ على الذاكرة. صورة امرأة طاعنة في السن، تجلس بثبات لتطلب العلم، وكأنها تقول للزمن: "لن تهزمني" وأخرى، أمٌ حديثة الولادة تحتضن حلمها بيدٍ، ورضيعها باليد الأخرى، تسعى للعلم وسط ألمها وفرحها، تلك اللقطات لم تكن صورًا فقط، كانت أناشيد صامتة للروح.

 

- كمصورة امرأة في بيئة مزدحمة بالفعاليات والمهام، هل واجهتِ تحديات معينة؟ وكيف تعاملتِ معها؟

 

-      نشأت بين جدران قيم متينة، ابنة لرجل دين حملت على كتفيها ميراثًا من الالتزام، في ساحات مزدحمة بالأنظار، كنت أعبر بخطوات من نور، ألبس الحياء، وأحمل الكاميرا كما يُحمل العهد، إن شعرت للحظة أن وجودي قد يُفسر خطأً، انسحبت بصمت، مفضلةً أن تبقى صورتي الداخلية أكثر صفاءً من ألف لقطة تُلتقط.

 

-      أي لحظة شعرتِ فيها أن كاميرتك صارت صوتاً لمن لا صوت له؟

-      هناك لحظات تتوقف عندها الكاميرا عن كونها آلة، وتصير قلبًا ينبض باسم الآخرين، حين دخلت دار المسنين، رأيت نظرات تبحث عن وطن، وحين خطوت داخل السجون، التقطت دموعًا حملتها الصور إلى قلوبٍ كانت غافلة، كل صورة التقطتها كانت بذرة، وبعضها نما حتى حرّك ضمائر غافلة وأعاد الأمل لمن ظن أنه منسي.

    كانت عدستي جسرًا يمتد بين الغائبين والمكان

   كنت أحمل لهم الأجواء بين أنفاسي، وأزرع اللحظات في قلوبهم وهم بعيدون، كل لقطة كانت أكثر من صورة، كانت رسالة خفية، تحمل وجعًا، فرحًا، دعاءً، وكل مرة أمسكتُ بالكاميرا، شعرت بثقل الأمانة على كتفيّ، لأني ما كنت أصوّر مشهدًا فنيًا فحسب، بل كنت أنقل روحًا تُنطق بالصمت"

_ ما هي طقوسكِ الخاصة قبل كل تغطية؟ وهل هناك شيء لا تستغنين عنه أثناء التصوير؟

_ قبل أن تلتقط يدي الكاميرا، كانت روحي تتهيأ للرحلة، الرحلة نحو أماكن قد تكون ثقيلة بالوجع أو مشبعة بالسكينة، الهدوء كان مفتاحي، والتركيز كان عباءتي التي أحتمي بها.

_ أما حين أخطو داخل حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، كل شيء يتغير، لا أحتاج أن أبحث عن القوة؛ فهي تتدفق إليّ مع كل نفس أتنفسه قربه، التصوير هناك لا يشبه أي عمل آخر، هو صلاة صامتة، شفاء خفي، وبوح قلبٍ وجد ضالته بين أروقة الطهر.

 

_وأخيراً، لو أردنا أن نختصر كل رحلتكِ بجملة واحدة، ماذا تقولين؟

_ لولا نورك، لكنتُ ضائعة في متاهات الدنيا، كل صورة التقطتها، كل خطوة خطوتها، كل نبضة خفقت بداخلي، كانت على أعتابك ومن أجلك، عدستي ليست ملكي، إنها سهم من سهام الولاء، وخطواتي طريق محفوف برجاء أن يقودني إليك.

اجعل خدمتي لك جسراً يعبر بي إلى رضوان ربي، كما كنتَ دائمًا ملاذ الأرواح، كن سكني الأخير في دار الخلود.