لم أكن أعلم أن هذا الشعور سيجثو على صدري كغصةٍ تعتريني بين فينة وأخرى. كان الأمر أشبه بعَبرة خانقة حينما أدركت أنني وحيدة، وليس لديّ صديقة واحدة في هذا العالم الشائك.

اعتقدت أن الأمر هين، وبأنني لست بحاجة إلى تلك الصديقة التي فشلتُ فشلاً ذريعًا في أن أحظى بها، بعدما تجرعتُ كأس الخذلان بتجربة قاسية لصداقة واهنة قد مضت، إلا أن جرحها ما زال نديًّا ينكأ القلب.

بمرور السنوات، أدركتُ أن الصداقة ليست مجرد تكملةٍ لنشاط اجتماعي، بل هي وجهٌ آخر لوضع إنساني، إذ غالبًا ما نحتاج إلى صديق نتلمس يده في أوقات الشدة أو الرخاء، ليربت على كتفنا بكل حب وصدق، دون أن يُشعرنا بانكسارنا أو ضعفنا أو باحتياجنا إليه.

يكون معنا، ولا ينتظر مقابلاً منا، لأنه صديق.

حينما أيقنتُ هذه الحقيقة، كان الوقت قد مضى من أمامي، فقد أشرفتُ على عقدي الأربعين، ولستُ أدري إن كانت هناك فرصة أخرى لي، ولكن من المؤكد أن الفرصة ما زالت أمامكم، فأحسنوا اختياركم وسط زحام زملاء العمل أو الدراسة، إذ ليس كل من يتعرف عليه الإنسان في مسيرة حياته يُعد صديقًا، ومن أهم مقومات نجاح الصداقة: اختيار صديق تتبناه قوة المواقف، لا الأقوال،  فالمواقف وحدها هي ما تصقل معدن الشخص المقابل، ليتسنى لكم وضعه في مرتبة شرف الصداقة، ولا تستهينوا بالأمر، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:

﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ إذ تنص هذه الآية الكريمة على أن الله عز وجل أراد أن يتعارف الناس فيما بينهم، ليكوّنوا صداقات نبيلة تُسهم في تعزيز الأواصر الاجتماعية، لكونها من أعظم الروابط الإنسانية التي يرغب المرء بوجودها دائمًا في حياته، ومن الضروري أن تكون هذه الصداقات مبنية على الصدق، والمحبة، والتعاون، والثقة المتبادلة؛ لأنها تنتهي بفقدان أحد هذه الأركان، ولأهميتها، تم اختيار 30 تموز يومًا عالميًا للصداقة، باعتبارها عاملاً مُلهِمًا لجهود السلام بين الشعوب والبلدان والثقافات والأفراد.

يقول الفيلسوف أرسطو: "الصداقة هي أهم شيء في الحياة"

فاحرصوا على اختيار الأصدقاء، وانتقوهم بحذر ودقةٍ متناهية، فكم جميلاً لو حظينا بالأصدقاء.