ما زلتُ أذكر ذلك اليوم وكأنه بالأمس القريب حينما أصبتُ بدمامل طفيفة في مكان من جسدي، حيث توجهت أمي (رحمها الله) إلى بيت جارتنا التي كانت تسكن في بستانها المحاذي لبيتنا، تطلب منها بضع ورقات من شجرة الخروع. لبَّت الجارة طلب أمي بامتنان، لتعود بالعلاج الفعَّال وهي واثقة من شفائي دون شك. وضعت الأوراق تحت صنبور الماء وغسَّلتها بعناية، ثم جفَّفتها وأشعلت موقد النار لتدفئتها، ثم وضعتها على الدمامل وربطتها يومًا كاملاً. والمفاجأة كانت أن الدمامل بدأت تذوب شيئًا فشيئًا مع استخدامي لوصفتها كل يوم حتى اختفى أثرها تمامًا.

 

واحة المرأة يبحر بنا اليوم في عين على الطبيعة للتعرف على فوائد وأضرار نبات شجرة الخروع مع المهندسة الزراعية شروق حاكم الفتلاوي، الحاصلة على شهادة الماجستير في تخصص زراعة الأنسجة النباتية، حدثتنا قائلة: "ينتمي الخروع إلى العائلة الحليبية، وهو نبات شجيري معمر أو حولي حسب المنطقة التي يزرع فيها، حيث يصل ارتفاعه من (1.5) متر إلى (3 أو 4) أمتار أو حسب التربة والظروف المناخية والعناية. تكون جذوره وتدية عميقة وساقه قائمة متفرعة، أما لونها فيكون إما أخضر أو أحمر، أما الأوراق، فهي كبيرة الحجم مفصصة راحية الشكل، وعدد الفصوص يختلف باختلاف الأصناف، ولونها يتدرج من الأخضر إلى القرنفلي والأحمر، أما أزهارها، فتكون نورات رأسيمية وهي إما مذكرة أو مؤنثة (أي أن النبات وحيد المسكن)، لونها أخضر مصفر، والأزهار المذكرة توجد في أسفل النورة من طول المحور الزهري، بينما الإزهار المؤنثة توجد في أعلى النورة من طول المحور الزهري، وبسبب وجود الإزهار الذكرية في أسفل المحور الزهري والأنثوي في أعلاها، يزيد من نسبة التلقيح الخلطي في نبات الخروع".

 

سيف ذو حدين

ينتشر نبات الخروع في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، والهند هي الأولى في إنتاج الخروع، تتبعها الصين ثم البرازيل وروسيا، أما في العراق، فيكثر في الوسط والشمال، ويعتبر سيفًا ذا حدين، فهو نبات مفيد وفي نفس الوقت يعتبر سامًا جدًا، هذا ما أدلت به الفتلاوي، لتتابع قائلة:

"يحتوي نبات الخروع على عنصر سام يسمى الريسين، وهي مادة سامة لا تذوب في الزيت وتبقى في الكسبة بعد عصر الزيت، وهو سم لا ترياق له، وبما أنها مادة سمية، يمكن استخدامها كمبيد حشري ومضاد للجراثيم. كما يمكن استخدام بذوره في تحديد النسل، نظرًا لإمكانية استخدام مادة الريسين في التخلص من الحيوانات المنوية، مما يسبب عدم تلقيح البويضة، وملاحظة حدوث الإجهاض في عدد من النساء الحوامل، لذلك يجب استخدامه بحرص شديد، إذ لا يتناوله الأطفال تحت عمر (12) سنة ولا يوصف للحوامل، والاستعمال الطويل للخروع كعلاج يمكن أن يؤثر بشكل سلبي، لذلك ينصح بالاستعانة بخبير أعشاب لاستخدامه".

 

الجزء الأخطر

تعتبر بذور نبات الخروع الجزء الأخطر، لأنها الأكثر سمية، إذ إن مضغ حبة واحدة قد يؤدي إلى الوفاة خلال مدة محدودة، حيث يشعر المريض بحرقة في الفم وألم حاد في البطن والإصابة بالإسهال المتواصل، لينتهي به الحال إلى الوفاة بسبب الجفاف، لذلك ينصح بإسعاف المصاب مباشرة بإجراء عملية غسل المعدة واستخدام الفحم الطبي مع بعض الإجراءات اللازمة لمعالجته، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن تجاهل فوائده الجمة على الصعيد الصناعي والطبي.

 

فوائده الطبية والصناعية

 

وحول فوائد نبات الخروع، أضافت شروق: "يمتاز هذا النبات بسر إلهي لما يحمله من فوائد طبية، سواء دخل في صناعة الأدوية أو الاستخدام العشبي، إذ يمكن استخدامه في علاج السرطان، وتستخدم أوراقه في علاج الدمامل بشكل بدائي بوضعها فقط عليها أو سحقها ناعماً ومزجها بالخل لعلاج التهاب الثدي، كما يستخدم أيضًا كعلاج لشعر الرأس وذلك لزيادة لمعانه ومنع سقوطه وتقصفه، إضافة إلى تعزيز صحة البشرة والوقاية من مشاكلها لكونه يعد مرطبًا طبيعيًا للجلد.

كما يستخدم في حالات الإمساك الشديدة، والالتهابات المعوية وطارد للديدان، ومعالجة الأذن الوسطى والجمرة والدمامل، وتصنع منه كمادات لعلاج الصداع، وفي الطب الصيني يستخدم لعلاج الشلل الوجهي، وفي الطب الهندي في علاج آلام المفاصل".

 

أما على الصعيد الصناعي، أشارت الفتلاوي إلى أهميته اقتصاديًا، حيث يدخل في العديد من الصناعات، إذ يختلف استخدام بذوره بحسب طريقة عصره، فالذي يُستخلص بالعصر البارد يكون زيتًا طبيًا ويُستخدم للاستهلاك البشري ويدخل في الصناعات الغذائية والدوائية.

أما الزيت المستخلص بالمذيبات العضوية، ما يُعرف بالزيت التجاري، فيُستخدم في الصناعات المختلفة لزيادة بريقها ولمعانها، مثل صناعة الألوان الزيتية والحبر الجاف والألياف الصناعية المستخدمة في تصنيع الملابس غير القطنية، وفي البلاستيك والنايلون ومشتقاته المختلفة.

وحديثًا يُستخدم الزيت التجاري في تشحيم الآلات الدقيقة والمحركات النفاثة للطائرات والصواريخ، وفي صناعة البطاريات الجافة والمتفجرات والمفرقعات الحربية لمنع الرطوبة، مما يزيد من مدة استخدامها أو تخزينها لفترات طويلة.

ختمت حديثها: "إن لشجيرات الخروع فائدة في تثبيت التربة عند زراعتها في مناطق الكثبان الرملية لعدم زحفها ومنع تحركها بفعل الرياح أو عوامل التعرية للتربة المنحدرة نتيجة هطول الأمطار وكثرة حدوث السيول".

كما أن مخلفات البذور، والتي تسمى التفل، قد تُستعمل كمادة مخصبة أو مادة عضوية نباتية تفيد في تسميد الأراضي الزراعية حديثة الاستزراع، وخاصة الرملية منها لرفع خصوبتها والاحتفاظ بمائها وغذائها لفترات طويلة.