(الحلقة الخامسة)

 

إن حديث زواج فاطمة بنت الحسين من عبد الله بن عمرو بن عثمان يكاد يكون مستحيلا إذا تناولنا العداء الأموي للعلويين في تلك المرحلة وما جر من تبعات وخيمة على الأمة, ولنا أن نسأل من نقل هذه الرواية نقل الواثق المطمئن: ما الذي جعل حفيد آل أبي العاص يتزوج من حفيدة علي ولا تزال أحقاد آل أبي العاص على علي منذ يوم بدر وازداد أوار هذا الحقد وبلغ ذروته على أمير المؤمنين وعلى أولاده (عليهم السلام) في يوم الدار وامتد في نسلهم؟ حتى وصل الأمر إلى أن قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عم عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو يذكر قيام دولة أمير المؤمنين (عليه السلام):

بني هاشمٍ ردّوا سلاحَ ابن أختكم * ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبُه

بني هاشم كيف الهوادةُ بيننا * وعند عليٍّ درعُه ونجائبُه

بني هاشمٍ كيف التودُّدُ منكم * وبزّ ابن أروى فيكمُ وحرائبُه

بني هاشمٍ إلا تردّوا فإننا * سواءٌ علينا قاتلاه وسالبُه

بني هاشمٍ إنا وما كان منكمُ * كصدعِ الصفا لا يشعبُ الصدعَ شاعبُه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بقصيدة طويلة منها:

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم * أضيعَ و ألقاه لدى الروعِ صاحبُه

و شبهته كسرى و قد كان مثله * شبيهاً بكسرى هدبُه وضرائبُه

فكيف يشعب هذا الصدع الكبير الذي جرت عليه دماء الآلاف وأثيرت فيه الفتن منذ أن حمل النعمان بن بشير قميص عثمان وأصابع نائلة ليثير النعرات الجاهلية والفرقة بين المسلمين وليتخذها معاوية ذريعة لدى أهل الشام لحرب أمير المؤمنين (عليه السلام)؟

 

فاطمة المقدسة

وإضافة إلى هذا العامل الذي يكفل بنفي هذا الزواج فإن ما جاء عن شخصية فاطمة وعظمتها وقداستها وطهرها وعبادتها يجعل من هذا الزواج أسطوريا وحسبنا قول أبيها سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة (صلوات الله عليه) فيها (إنها أشبه الناس بأمي فاطمة بنت محمد)، فهل ينطبق هذا القول من الإمام المعصوم في حقها مع الرواية ؟ وكيف وفَّق من تبنّى هذا الزواج بين القولين ؟ لا أدري كيف تخلف فاطمة بوعدها لزوجها وهي ابنة الوحي والنبوة وتقبل بالزواج ثانية ولا زال زوجها الأول مسجى أمامها ولا يفصلها عن الزواج بعمرو سوى انقضاء العدة !! حاشا فاطمة من ذلك فهل يعقل من فاطمة بنت الحسين التي ضربت المثل الأعلى في العقل والكمال والشرف والدين والعبادة والأخلاق ان تقبل الزواج في الأيام الأولى لوفاة زوجها وهي في العدة وتتزوج بعد العدة وتخالف النذر واليمين ولا تعرف كيف تخرج منها!!

وكيف يدخل عليها غريب وهي في تلك الحالة ؟ أين الإمام زين العابدين أين بنو هاشم !! ثم لنفرض أنها تزوجت من عبد الله بن عمرو كيف تنجب له ثلاثة أولاد وقد بلغت من العمر (57) سنة فإن ولادتها كانت عام (40هـ) وزوجها الحسن مات عام (97هـ)، وقد ذكرت جميع المصادر التاريخية أنها أقامت على قبر زوجها الحسن سنة كاملة تقوم الليل وتصوم النهار وهذا نص البخاري في صحيحه (ج1ص230): حيث قال: (ولما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته فاطمة بنت الحسين القبة على قبره سنة كاملة ثم رفعت....الخ) وروى مثله الشيخ المفيد في الإرشاد (ج2 ص26)، وابن أبي الدنيا في كتاب (الهواتف) (ص92)، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة (ج10 ص287)، وعلى فرض زواجها بعد السنة فقد شارفت على الستين وللقارئ أن يتخيل كيف تنجب المرأة في هذا العمر ثلاثة أولاد!!

أما بالنسبة للرواية الثانية التي تقول أن أمها حلفت أن تتزوج عبد الله فهذا بعيد أيضاً ولا يقبله العقل إذ أن فاطمة لم تكن صغيرة ثم أين ذهب عمها محمد بن الحنفية وأخوها زين العابدين؟ كما أن هذا مستبعد أيضا من أمها ــ لو فرضنا جدلاً أن أمها أم إسحاق ــ السيدة أم إسحاق المرأة المؤمنة التي رافقت نساء النبوة في رحلة السبي، ثم هناك ما يقطع هذا الزواج من دابره أصلا وهو العداء الذي استفحل بين الأسرتين بعد معركة الطف وشماتة عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ــ عم عبد الله بن عمرو بن عثمان ــ  بمقتل الحسين بعد أن ضجت المدينة كلها بالبكاء على مقتله (عليه السلام) يقول الطبري: (ولمّا أعلم ابن سعيد بقتل الحسين، ــ وكان واليا على المدينة من قبل يزيد ــ فرح واهتزّ بشراً وشماتة .

وأمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقّة المدينة ، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على سيّد شباب أهل الجنّة واتّصلت الصيحة بدار الأشدق فضحك وتمثّل بقول عمرو بن معد يكرب :

عجَّتْ نساءُ بني زيادٍ عجَّةً   *   كعجيجِ نسوتِنا غداةَ الأرنبِ

ثمّ قال: واعية بواعية عثمان والتفت إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يوم بيوم بدر......)

 وعمرو هذا هو عم عبد الله فكيف تتزوج فاطمة رجلاً من هذه الشجرة الملعونة في القرآن؟ إذن فهذا الزواج هو وهمي أسطوري صنعته الماكنة الزبيرية للسلطة لأسباب سياسية.

 

وتستمر الأكاذيب

ولم تكن السيدة فاطمة هي الوحيدة التي حاول الزبيريون تشويه سيرتها بروايات زواج كاذبة عارية عن الصحة فقد نالت أكاذيبهم وأباطيلهم أختها السيدة سكينة (عليها السلام) فوضعوا لها زيجات متعددة رغم أنها لم تتزوّج غير ابن عمّها عبد الله بن الامام الحسن (عليه السلام) فقط، وزواجها بغير ابن عمّها من أكاذيب الزبير بن بكار

كما وضعوا فيها ما وصم به بيتهم من العار باجتماع سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير مع الشاعر عمر بن أبي سلمى وجاريتيها البغوم وأسماء وهما تغنيان لهما، فنسبوا ذلك إلى السيدة الطاهرة المطهرة سكينة بنت الحسين!!!

أجل لقد بلغت الخسة والوضاعة بالزبير أن يدلس ويفتري على أقدس وأطهر بيت في الوجود والذي قال فيه القران الكريم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ويتعرض له بما يشينه وهو ما جعل بني علي يثورون عليه للانتقام منه وقطع هذا اللسان القذر كما ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان بقوله: (كان ــــ أي الزبير بن بكار ــــ يضع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتى أرادوا قتله ففر من مكة الى بغداد أيام المتوكل).

وقد روى هذا المنافق الكذاب أن سكينة تزوجت ست مرات أحداها كانت من مصعب بن الزبير وأن أم كلثوم تزوجت من عمر بن الخطاب وأن فاطمة تزوجت من عبد الله بن عمرو بن عثمان لكي يلفت الأنظار عن فضيحة سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير كما رواها أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني في (ج1 ص165).

وقد فند السيد العلامة المحقق عبد الرزاق المقرم في كتابه (سكينة بنت الحسين) (ص92) هذا الزواج ونسبه إلى أكاذيب الزبيريين فقال ما نصه: (إن رواية زواج مصعب بن عمير بها ــ أي سكينة ــ لا تعدو الزبيريين أنفسهم، فإن رواتها هم: الزبير بن بكار، وابن أخيه مصعب، وعروة بن الزبير.. )

ويقول الكاتب حسين الشاكري في كتابه (العقيلة والفواطم) (ص160) عن هذا الزواج: (وأمّا زواجها بمصعب بن الزبير فلم يثبت من مصادر موثوقة, وهو يعد كغيره من الأمور المدسوسة على السيّدة سكينة التي حاول أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وآل الزبير بالذات نسبتها إلى البيت النبوي لدفع الشبهة عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي كانت تجتمع مع الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة والمغنيات يغنين لهم).

 

محمد طاهر الصفار