اسمها ونسبها ...

إن أم البنين ( عليها السلام ) غلبت كنيتها على اسمها لأمرين :

ـــ  أنها كُنِّيَت بـ (أم البنين) تشبهاً وتيمناً بجدتها ليلى بنت عمرو حيث كان لها خمسة أبناء  .

ـــ  التماسها من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يقتصر في ندائها على الكنية ، لئلا يتذكر الحسنانِ ( عليهما السلام ) أمَّهما فاطمة ( عليها السلام ) يوم كان يناديها في الدار  .

وإن اسم أم البنين هو فاطمة الكلابيّة من آل الوحيد ، وأهلُها هم من سادات العرب ، وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين ، وأبوها أبو المحل ، واسمُه : حزام بن خَالد بن ربيعة .

 
نشأتها ...

نشأت أم البنين (عليها السلام) بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل ، وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد ، فلما كبرت كانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد ، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً ، لذا وقع اختيار عقيل عليها لأن تكون قرينةَ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) .

الاقتران المبارك ...

أراد الإمام علي (عليه السلام) أن يتزوج من امرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة والإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيّبة عالية ، ولهذا طلب أميرُ المؤمنين (عليه السلام) من أخيه عقيل ـــ وكان نسابة عارفاً بأخبار العرب ـــ أن يختار له امرأةً من ذوي البيوت والشجاعة ، فأجابه عقيل قائلاً  : (( أخي ، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها)) ،
ثم مضى عقيلُ إلى بيت حزام ضيفاً فأخبره أنه قادم عليه يخطب ابنتَه الحرة إلى سيد الأوصياء علي (عليه السلام ) ، فلما سمع حزام ذلك هَشَّ وَبَشَّ ، وشعر بأن الشرف ألقى كلاكله عليه ، إذ يصاهر ابنَ عم المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، ومَن ينكر علياً (عليه السلام) وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة  .

فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وخفت به البشارة ، وكان الزواج المبارك على مهرٍ سَنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في زوجاته وابنته فاطمة (عليها السلام) ، وهو خمس مئة درهم  .

أولادها عليهم السّلام ...

رزقت من عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام بأربعة من البنين :

ـــ  العبّاس بن علي بن أبي طالب المولود 4 شعبان 26هـ حيث كان أول مولود لها وهو سيدنا المعظم أبو الفضل, وحينما بشر الأمام عليه السلام بهذا المولود المبارك سارع الى الدّار , وأوسعه تقبيلا , وأجرى عليه مراسيم الولادة الشّرعية فأذن في أذنه اليمنى , وأقام في أذنه اليسرى, لقد كان أول صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الإيمان والتّقوى في الارض ، وقد سماه امير المؤمنين عليه السلام عباس تفاؤلا بشجاعته وصولته في الحروب , فأن العبّاس من أسماء الأسد الغضبان ، وألقابه كثيرة منها ما كان يلقب به قبل واقعة الطّف " قمر بني هاشم " ومنها ما عرف به يوم الطّف " السّقاء ، ساقي العطاشى ، بطل العلقمي ، حامل اللواء ، كبش الكتيبة " ، واستشهد وله أربع وثلاثون سنة.

ـــ  عبد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام , عاش مع أبيه ست سنين , ومع أخيه الحسن عليه السلام ستة عشرة سنة , ومع أخيه الحُسين عليه السلام خمسة وعشرون سنة, وتلك مدة عمره يوم الطّف, ولا عقب له.

ـــ  عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولد بعد أخيه عبدالله بأربع سنين فعمره يوم الطّف إحدى وعشرون سنة, وقيل كان يوم الطّف ابن ثلاث وعشرين سنة, وقد قتل ولا عقب له.

ـــ  جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أصغرهم يوم الطّف, ولد بعد أخيه عثمان بنحو سنتين, فعمره يوم الطّف تسع عشرة سنة, وقتل ولا عقب له.

مجمع المكارم ...

أم البنين ( عليها السلام ) من النساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى ( عليها السلام ) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيام العيد.

وقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية ، وإن مِن صفاتها الظاهرة المعروفة فيها هو : ( الوفاء ) ، وقد عاشت مع أميرِ المؤمنين ( عليه السلام ) في صفاءٍ وإخلاص ، وعاشتْ بعد شهادته ( عليه السلام ) مدّة طويلةً لم تتزوج من غيره ، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت .

وقد روت حديثاً عن علي ( عليه السلام ) في أن أزواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده .

وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء ( عليها السلام ) وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة ( العباس وأخوته ( عليهم السلام )) ، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه .

وفاتها ...

وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين ( عليها السلام ) بين عبادةٍ لله جل وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه ، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الحسين ( عليه السلام ) ، وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في محرابه .

بعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء ( عليه السلام ) وولديه الإمامين ( عليهما السلام ) سبطَي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدي شباب أهل الجنة ، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه ، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم   ، فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة  64 هـ   .

فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة ، الوفيّة المخلصة ، التي واست الزهراء ( عليها السلام ) في فاجعتها بالحسين ( عليه السلام ) ، ونابت عنها

في إقامة المآتم عليه ، فهنيئاً لها ولكل من اقتدت بها من المؤمنات الصالحات  .

مرقدها عليها السّلام ...

دفنت أُمّ البنين عليها السّلام في مقبرة البقيع بالقرب من إبراهيم ، وزينب، وام كلثوم، وعبد الله، والقاسم وغيرهم من الأصحاب والشّهداء ، وقد تم هدم قبرها من قبل النواصب مع قبور أئمتنا (عليهم السلام )  .