لا زالت تقبع في الأذهان ذكريات الماضي في تقديم الخدمة الحسينية للزائرين وسط أجواء الخوف والحذر، والقتل والتعذيب بأنواعه وكان تطبيق -لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي يا حسين- واقعا، والناس تخاف من حيطانها، وسط كل تلك الأجواء كان هناك مَن يسير ومَن يخدم ومَن يستشهد!

سجلتْ جداتنا مواقفا بطولية في حماية الزوار وتقديم الخدمات لهم فلا زالت قصيدة (يحسين بضمايرنا) تفتح ملف الذاكرة لتعيد أم عبد الحسين إلى تلك الحقبة.

وسط زخم أصوات الأواني مع صوت بناتها وأولادها وهم يوجهون الحفيدات بـتحضير ما تحتاجه سفرة الزائرين في مضيفها مضيف الإمام الرضا (عليه السلام)، تبتسم بسعادة وهي ترى القدور تملئ مطبخها تأخذها الصورة إلى قدرها الذي رماه أزلام النظام البائد في النهر المجاور لهم، تتبعه نظراتها بحسرة وألم ماذا ستقدم للزائرين إن يصلوا!

تلك الحسرة بالأمس هي حرارة اليوم التي تهم بها لتقدم أنواع المأكولات لهم، أم عبد الحسين تلك الفلاحة المجاهدة التي كانت تستعد لأيام صفر بتحضير الدبس اليدوي وتزرع ألواح (الماش) ثم تجرشه وتجمعه مع تمن (العنبر) ذي الرائحة المميزة، فضلا عن اللبن الذي تصنعه من الدواب عندها _والذي يحتاج خضّه إلى الكثير من الوقت_ وتجلب الحطب وقت المغرب لتوقد تنورها وتخبز ذلك الخبز المميز في الوقت الذي ترسل أولادها ليحضروا الطريق وينيروه بالطريقة التقليدية القديمة حيث يضعون في علبة معدنية (الفتيلة) ويوصلوها بنوى التمر ويضعون بعض النفط لتكون دليل لسير الزائر، وعند العودة توصيهم بإخفاء أحذية الزائرين حتى لا يخبر عنهم جيرانهم المعروفين بالعداء لزائري أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

ونتوقع وقت محذور  وساعـات الــتمـر خطـره

مابيـن اليكيـدنّـه      وبــــــــــيـن ايـدبـر الـغـدره

ومـع احساسنـا هـذا    والشفـنـاه وننـــــــتـظـره

آمنّـه وتوطنّـه       علـى كـل شـي بعـد يــــــجـره

على وقع هذه الأبيات تنظر إلى الزوار وهم يسيرون أمام دارها وسط صرخات أحفادها (هلا بزوار الحسين)، (تفضلوا لبن وتمر يزوار)