قلما يجتمع أطفال في مكان واحد إلا تنازعوا وتشاجروا، وقد تطول هذه المنازعات وقد يعقبها تراض وعودة إلى الألفة واللعب، ولكن الآباء يضجون بمشاجرات الأبناء لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة والاسترخاء فيثورون على الأبناء، وقد يلجؤون إلى أسلوب عنيف في وضع حد لمشاجرات الأطفال.

  نعتقد بعدم ضرورة القلق من رؤية الصراعات التي تنشب بين الأطفال ولا يجب التصور بان الوضع قد وصل الى حالة مقلقة، فالمشاجرات موجودة بشكل طبيعي بين الاطفال ويعتبرها بعض علماء النفس كما سنرى ذات طابع غريزي وفطري، والنزاعات بين الزملاء في المدرسة، والأقران في الشارع -إذا لم تكن مصحوبة بالعنف ولم تتخذ طابع الدوام والتكرار-تعتبر أمراً طبيعيا يسلكه جميع الاطفال.

‎  الوضع الطبيعي الذي يميّز حياة الاطفال هو المشاجرة حيناً والتصالح والمحبّة حيناً آخر. وحتّى أن موضوع الغالب والمغلوب لا وجود له في نزاعاتهم ومشاجراتهم، فما أن تنشب بينهم مشاجرة حتى تهدأ الاوضاع بعد لحظات ويعودون إلى اللعب والحياة العادية، أما دور العائلة في مثل هذه المواقف فيجب أن يتركز على تقليل النزاعات إلى أدنى حد ممكن، والحيلولة دون استخدام اساليب العنف والتعسف فيها.

ومن هنا يراود الآباء والمربين سؤال ما هي أسباب المشاجرة بين الأطفال؟

‎  يمكن ذكر أسباب كثيرة للمشاجرات التي تقوم بين الأطفال، وهي أسباب إذا لم تتأمّلها بدقة لا يمكن التوصل الى نتيجة واضحة بشأنها، فالأسباب التي يذكرها الاطفال في صراعاتهم اغلبها تافهة ولا تعدو أن يكون أحدهم قد تلفظ باسم الآخر بالخطأ عمداً أو ذكر اسم امه وابيه بسوء، او اراد اخذ ادواته، او لم يشاركه معه في لعبه وما شابه من هذه الامور، وفي نفس الوقت هناك حالات يمكن التعويل عليها في طرح وجهات النظر في المشاجرات التي تحدث، وهي حالات كثيرة نذكر بعضاً وهي:

1-  الرغبة في التملك: قد يكون في يد الطفل لعبة ألا أنه يلاحظ في يد طفل آخر لعبة أجمل منها فيثور في نفسه حب العدوان والرغبة في التملك فيركض ليخطفها ومن الطبيعي يؤدي الى نشوب مشاجرة بينهما وقد يرافقه ضرب وهذا غالبا ما يكون بكثرة بين الأطفال دون سن الرابعة.

2- الحفاظ على ملكيته: يسعى الطفل إلى صيانة ممتلكاته والحفاظ عليها لأن الطفل شديد الحساسية على ما في يديه وشديد الحذر على ممتلكاته.

3-  الحسد: عندما يولد طفل جديد يستحوذ على كل اهتمام ومحبة الوالدين، أو بسبب تفرقة الوالدين بين الأبناء أو تفضيل أحد الاولاد على الآخر يسبب إلى نشوب الصراع والمشاجرات بينهم.

4- اطفاء نار الغضب والانفعال: للطفل احياناً سلوك غير قويم في البيت وفي المدرسة ويتلقى -نتيجة لذلك- بعض العقوبات من المدير أو المعلم أو عندما يكتب الآخرون عن سوء سلوكه ويخبروا ذويه عن بعض اخطائه فمن الطبيعي يعيش حالة مريرة من الترقب، ويبرز انفعالاته بشكل غير سليم ويتشاجر مع الآخرين لأتفه الأسباب.

5- العقد النفسية والضعف: تنطلق المشاجرات في بعض الحالات من ضعف الشخص واصطدامه بمسائل جديدة وعدم قدرته على مواجهتها، وقد تكون المشاجرات بسبب الرغبة في التنفيس عن العقد النفسية التي لديه، أو لان الطفل دائما ما يتلقى عقوبة من والديه، فيبرز ما لديه أو يتحجج للتعويض عما مضى ويعوض على نفسه.

6- الرغبة في السيطرة والتسلط: يميل الكثير من الأطفال إلى التسلط على الآخرين حتى في اللعب، لذلك كثيراً ما يؤدي هذا الميول إلى المشاجرة والاصطدامات.

7- اثبات القوة والوجود: إن الطفل الذي يشاهد ويسمع-بواسطة التلفزيون والانترنيت-المغامرات والبطولات ان البطل صرع خصمه بعدة لكمات، ويحاول اثبات ذاته وإظهار شخصيته بالأساليب والطرق المألوفة اجتماعياً فإذا عجز عن ذلك لجأ الى المنازعات والمشاجرات، فيحاول يثبت انه قوي وقادر على أن يأمر وينهي.

8-  انعكاسات تربوية سيئة: تنشأ الكثير من المنازعات بين الأطفال بسبب نمط سلوك الوالدين في إثارة حسد الطفل وضغائنه، بسبب مشاجرات الوالدين امام الأطفال فيسعى الطفل الى تكرار سلوك والديه.

9- أسباب متعلقة بشخصية الطفل واثارة غضبه: قد تكون الشجارات ناتجة أحيانا عن اضطراب في شخصية الطفل، إذا تكررت بصورة لا مبرر لها، أو ينتج سلوك المشاجرة بسبب مشاهدة الطفل لأنواع مظاهر الظلم والتمييز في البيت والمدرسة، فيبقى ينتظر الموقف الذي يعبر عن غضبه ويخفف الحمل لديه.

   في الوقت الذي يعتبر شجار الأطفال إحدى الوسائل لإثبات الذات والسيطرة، وكلاهما من الصفات اللازمة لنجاح الانسان في الحياة، ويتعلم الطفل في الشجار كثيرا من الخبرات مثل وجوب احترام حقوق الغير، والعدل والواجب ومعنى الصدق، والكذب، وأهمية الاخذ والعطاء بأسلوب يحقق له المحافظة على حقوقه وعلى حقوق الغير، لذا على الآباء والمربين انتهاز مناسبات شجار الأطفال وتوجيههم الوجهة التربوية السليمة وتعريفهم بالحق والواجب.

لكن أحيانا مواقف الوالدين أو المربين تزيد من مشاجرات ونزاعات أطفالهم ضمن الحالات التالية:

1-التوبيخ: توجد حالات يجب يعرف المتجاوز أنه لا بد من توبيخه ومعاقبته، والجانب الآخر الاهم هو أن نرى هل يستحق التوبيخ أم لا؟

في الكثير من الحالات يسارع الوالدان والمربون، حين السماع بوقوع مشاجرة بين طفلين، الى توجيه اللوم والتوبيخ لأحدهم ولكن بشكل غير مدروس وهذا ما يوقعه في دوامة من اليأس والقلق، فتكون النتيجة الهدم بدل الاصلاح.

2- التدخل في الأمور: أن الكثير من المشاجرات إذا لم نوليها أي اهتمام تنتهي إلى التصالح، إلا أن تدخل الوالدين يؤدي بشكل غير مباشر إلى ظهور نتائج سلبية ويفقدهم القدرة على حل المشكلة. ويعتبر هذا من الضعف التربوي لدى الأبوين بحيث لا يقدران على ايجاد جو من الألفة بين الاخ والأخت، وتدخل الوالدين لا يلبث طويلاً حتّى يستأنف النزاع من جديد، أي ان التدخل لا يحبذ إلا في الحالات الخطيرة التي يحتمل ان تتمخض عنها بعض الاضرار.

3‎- الفعل الاستباقي: نلاحظ احياناً ان الوالدين بمجرد سماعهم لصياح الاطفال يهرعون إليهم وينهالون على الطفل الاكبر بالضرب من غير معرفة الذي بدأ بالعدوان، وهو في حقيقة الامر لا تقصير لديه. وهذا ما يغيظ الطفل ويخلق لديه تصور بعدم عدالة الوالدين، فالتحقيق في المسألة أمر ضروري وحلها يسهل بالتأني واللين لا بالقوة والعنف والطفل المخطئ يجب أن يُبين له خطأه، إلا في الحالات التي يتعذر فيها ذلك.

4- الانحياز: يضطر الوالدان في بعض الظروف للدفاع عن الابن الاصغر حماية له من الابناء الاكبر من غير معرفة بالنتائج التي يخلقها مثل هذا الموقف لسائر الاطفال، فان كان الانحياز لصالح المعتدى عليه بعد تحديد المعتدي فهو تصرف صحيح وفي موضعه المناسب. لأن الوقوف الى جانب المعتدي عليه وملاطفته يعتبر بحد ذاته نوعاً من الردع للمعتدي، وهو في نفس الوقت اشعار للمعتدى عليه بالأمن والعدالة، وفي كل الاحوال تجب المحاذرة من الانحياز غير العادل لأنه يمهد الأرضية لمزيد من المنازعات اللاحقة.

5- التجاهل: وفي بعض المواضع يتكاسل الوالدان والمعلمون عن متابعة ما يحصل بين الاطفال من مشاجرات وتقصي اسبابها، فيتجاهلونها ويعرضون عنها، غير ملتفتين الى أن مثل هذا الموقف يعتبر تشجيعاً للظالم وخلقاً لليأس في قلب المظلوم. فالواجب اذن يستدعي مراقبة ما يحصل من منازعات بين الاطفال وإعانة من يقع عليه الظلم وانصافه مع مراعاة العدالة وعدم الانحياز.

6- العقوبة: واخيراً نلاحظ في بعض المواقف ان الأبوين يدخلان في المنازعة ويضربا الطرفين بدون معرفة المقصر منهما، أو يستهزئان بهما أملاً في وضع خاتمة للنزاع. وقد ينجح هذا الاسلوب في انهاء المشاجرة إلا أنه لا يحل المشكلة، فالوالدان ينفسان في هذا التصرف عن غضبهما إلا أن جذور المشكلة تبقى قائمة، فهذا الأسلوب يتميّز بنوع من العناد لا أكثر، بينما الموقف يتطلب اصلاح حال الطفل، وهذا ما يفرض علينا البحث عن أساليب تربوية أجــدى وأنفع.