مع كل سلوك أخلاقي تقوم به فأنت تساهم في جمال الحياة، أكثر التحديات الصعبة والدقيقة هي استجابتك للأشخاص غير الأخلاقيين الذين يريدون بأي طريقة أما النيل منك أو خداعك أو استغلالك أو دفعك للتعامل بالطرق التي تسحبك من موقفك الأخلاقي إلى موقفهم اللَّأخلاقي.

 هذا الموقف الذي سوف يتكرر في كل زمان ومكان يُعتبر الاختبار الأهم لقياس نسبة تشبع وانسجام الصفات الأخلاقية وارتكازها في نفسك وهل أن هذه الفضائل أمور راسخة أم أنَّها هشة ومتغيرة.

هذا الاختبار مهم بالنسبة لنا لمعرفة نسبة القوة الغضبية في أنفسنا وهل ما زالت بتلك الشراسة أم أنَّها ارتاضت وتخضع لسيطرتنا.

نحن نحتاج إلى الدقة في الفهم من أجل الدقة في التطبيق، فالكثير يقع في فخ الإفراط والتفريط عند تطبيق الصفات الأخلاقية فالتواضع لا يعني الذلَّة، والعزَّة لا تعني التكبر، والشجاعة لا تعني التهور، والكرم لا يعني البذخ والإسراف، والتقدير لا يعني البخل، يجب أن نمتلك وحدة قياس صحيحة مع كل فضيلة فإنَّ اختلال هذا المقياس ينشىء اضطرابا هجينا وتمرد على أركان ومحددات كل صفة.

أما كيف يمكن معرفة الحدود الفاصلة بين هذه الصفات وادراك مدى مساحتها يكون من خلال التعرف على علم الأخلاق والقدرة على التفريق بين النظريات الأخلاقية فكل ثقافة لديها محددات خاصَّة لبعض الصفات يصل إلى حد التناقض مع غيرها من المدارس والنظريات الأخلاقية.

يا أحبة إنَّ المؤمن كيسٌ فطن كما عبر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فلا يكون بليداً هيِّناً بسيطاً عديم الفكر والمنطق والثقة أمام من يحترف الكذب والبهتان والخديعة والمكر بل يكون فطناً ناضجاً في وعيه ولا تلتبس عليه الأمور التي يتحصن بها الفاسدون والمفسدون.

أن تكون أخلاقياً تعني أن تكون شخصية قوية تمتاز بالدفىء والحنو والعطف واللطف مع جميع الناس لا تداهن وتنافق بل تداري وتساير بكل أريحية وثقة لا تمارس سلوكاً منعدم العنوان بل تكون أفعالك وأقوالك دروس يتأثر بها كل من يراها ويسمع بها.

نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) يقول (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض) وهذه القيمة الأخلاقية النبيلة أي المداراة يجب أن تضبط بشكل احترافي دقيق لأنَّها مهددة بالمداهنة بمجرد أن نغفل شروطها وحدودها فالمدارة خُلق رفيع يضمن لنا الولوج إلى قلوب الناس والتأثير بهم مهما كانت مراتبهم وبمعنى أخرى ذكاء عاطفي (٣٦٠) درجة لمن هم أعلى منا أو أدنى أو بنفس المستوى وهي حفظ لدين ودنيا المرء.

أما المداهنة فهي عملية استبدال دينك بدنيا غيرك وبشكل يجعلك تعطي الضوء الأخضر لكل سلوكيات الناس المنحرفة وتحاول أن تساير فسادهم حتى على حساب معتقداتك وقيمك.

وهذا هو الخذلان وضعف الشخصية وعملية انتزاع كل القيم والفضائل من الذات بغية استجداء رضى الناس علينا من أجل المصلحة الذاتية.

اذن العملية الأخلاقية ليست عملية يسيرة أو أنَّها تحدث من تلقاء نفسها بل أنَّها عملية دقيقة وحذرة وتحتاج إلى مراقبة ويقظة وانتباه لذلك نجد الكثير من يسقط الأخلاق من سلوكه لأنَّه يعتبرها تكلُّفا وحملا اضافيا يجعلنا غير قادرين على التفاعل بسهولة مع الناس فتجده شخصية بلا ذائقة لا لون ولا رائحة يميل مع ما هو قائم الآن بلا قيم ولا هوية واضحة المعالم.

الأخلاق قوتها كقوة الماء الذي يشق طريقه بهدوء وترسُّل يتكيف مع كل انحراف والتواء يقف بطريقه لا تعكره ولا تلوثه الانكسارات الخارجية مهما بلغت قوتها يؤثر ولا يتأثر يمنح الحياة قوة المثال الذي يحب الجميع أن يكون هو التزم يا ولدي فإن الأخلاق شجاعة تليق بك أيها الجميل.