لم تعد الحسينيات أو مجالس العزاء النسوية كما يظنها كثيرا من الناس أنها للنياح فقط والندب المتكرر، بل هي منظومة ثقافية وفكرية ودينية تسعى إلى بناء المرأة فقهيا وثقافيا ثم يبدا مجلس العزاء الذي اقترنت أهميته مع العِبرة، فله ما له من الفوائد النفسية والروحية وحتى البدنية، وقد تميزت مجموعة من الحسينيات في محافظة كربلاء المقدسة بأسلوبها المنظم حيث يبدأ المجلس بدرس فقهي عن أهم أحكام المرأة، ثم محاضرة دينية بمختلف المواضيع الاجتماعية، وبحوث مسندة إلى مصادر تهتم الخطيبة باختيارها بعناية، ثم المشهد التمثيلي (التشابيه) والذي يتضمن أحداث الواقعة وربطها ببعض قضايا المجتمع، وختاما مجلس العزاء حيث استذكار المصيبة وما جرى من فاجعة على أهل بيت النبوة، وضمن حضور للقوارير في هذه المجالس التقتْ بالخطيبة والكاتبة فهيمة رضا فتحدث من جانبها: "الحسينيات النسوية لها دور كبير في الوعي الديني و العقائدي لأن المرأة هي من تقوم بالتربية و زرع العادات والمبادئ في نفوس الأطفال و العائلة فهي تتثقف و تُثقف الآخرين، وبالتأكيد لكل مجلس تأثير خاص على نفس الإنسان و لكل رفيق تأثير مضاعف على روح الإنسان لذلك تحث الآيات والروايات على الاهتمام باختيار الأماكن والأحباب بدقة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) "ارتعوا في رياض الجنة قالوا: يا رسول اللّه، وما رياض الجنة؟ قال: (صلى الله عليه وآله وسلم): مجالس الذكر" لأن الانسان سوف يتلون بلونهم ويتغير لا إرادياً، ويقول لقمان لابنه: "اختر المجالس على عينيك فإن رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تك عالما ينفعك علمك ويزيدونك وإن كنت جاهلا علموك، ولعل الله يصلهم برحمة فتعمك معهم"، ومن أفضل المجالس هي التي يكثر فيها ذكر الله و ذكر أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة و السلام)

بالتأكيد إن من يجلس في هذه المجالس سوف يرتقي ويسمو ويكون أفضل من غيره إن سمع الكلام واتبع أحسنه.

 

برنامج منظم

تعد هذه الايام التي يظللها شهري محرم الحرام وصفر المظفر من الايام الخاصة لدى الموالين حيث تزخر بذكر مصيبة الامام الحسين (عليه السلام) وإقامة المجالس الحسينية التي تعنى بإصلاح الفرد والمجتمع على الصعيد الديني والتربوي وترتبط ارتباطًا وثيقًا بثورة الامام الحسين الاصلاحية التي قامت كي نستقيم، كما كان للدمعة نصيبٌ كبيرٌ من هذه المجالس تسيل فتطفي نارًا تكاد تلتهم قلوبهم على لوعة المصاب،

تنشط الهيئات الحسينيّة في هذين الشهرين لتُقدّم برنامجها الذي تعدّه طوال الأيام السابقة من السنة، والذي يتضمّن فعّاليّات وأنشطة متعدّدة في مجال التوعية الدينيّة والتربويّة.

ويظنّ البعض أنّ تكوين الهيئات الحسينيّة مقتصر على الجانب الرجالي فقط، والحال ليس كذلك، فإنّنا نرى الكثير من الهيئات الحسينيّة النسائيّة منتشرة في البلاد الاسلاميّة كالعراق وإيران والبحرين واليمن ولبنان وسوريا، وفي الهند باكستان وأفغانستان وغيرها.

ومن هذه الهيئات الحسينيّة النسائيّة (هيئة الحوراء زينب) التي تأسّست في سوريا عام 1984م على يد العراقيّات المقيمات في سوريا، ومكان هذه الهيئة هو بالقرب من مشهد السيدة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو الأمر الذي يُضيف لهذه الهيئة الحيويّة والإقبال الكبير عليها.

وفي حديث مع مديرة الهيئة أم ياسر الكربلائي قالت:

"مرّت هيئة الحوراء زينب بظروف عصيبة بسبب الأحداث المريرة التي مرّت بها سوريا، وتغيير إقامة بعض عضوات الهيئة محلّ إقامتهنّ في بلدان أخرى، ممّا أدّى إلى تغيير مقرّ الهيئة لأكثر من مكان، حتى استقرت في كربلاء المقدسة".

لا يقتصر نشاط هيئة الحوراء زينب على شهري محرّم الحرام وصفر المظفّر فقط كما هو الحال لدى بعض الهيئات، بل كان لهذه الهيئة نشاط دؤوب يشمل جميع أيام السنة تقريباً.

إضافة لشهري الحزن محرّم وصفر كان لهذه الهيئة فعّاليّات مفيدة في مناسبات أيام ولادات الأئمّة الأطهار ووفيّاتهم، ومضافاً لذلك فإنّ لهم مجالس توعوية يُناقش فيها أهمّ المواضيع الساخنة في الشارع الإسلامي، وتتنوّع النساء الحاضرات في الهيئة من ناحية العمر، وكذلك الأمر تتشكّل الحاضرات من مستويات علميّة متعدّدة، بل تجد حتى الأطفال المصاحَبين مع امهاتهم لهم حضور مميّز في هيئة الحوراء زينب".

وأضافتْ: "إنّ ما يميّز الهيئة تمويلها الذاتي، فإنّ التبرّعات والهبات الماليّة المقدّمة من عضوات الهيئة نفسها هو ما تعتمد عليه إدارة هيئة الحوراء زينب في رعاية نشاطاتها وتمشية مصاريفها، من توفير المكان وتقديم المأكولات والمشروبات ولوازم بعض المناسبات الحسينيّة من تحضيرات وملابس خاصّة.

وتولي إدارة هيئة الحوراء زينب أهميّة مركّزة على الدروس الدينيّة في زادها الثقافي الذي تُقدّمه لأعضائها، ومن هذه الدروس أصول تلاوة القرآن والتدبّر في معانيه، وكذلك الجانب الفقهي والعقائدي له الأهميّة أيضاً، ولم تغفل الإدارة في التركيز على المجال التنموي وإصلاح الذات وحلّ المشاكل الاجتماعيّة".

كما بدأ عملهم الدؤوب آنذاك منذ شهر ذي الحجة لتعمير المكان الخاص بإقامة المجلس الحسيني بعد أن كان هيكلاً دون بناء أو خدمات في علّية إحدى الحسينيات وبعمل جماعي حتى يتمكنوا من اقامة العزاء في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام متوسلين بالعترة الطاهرة وبأيدٍ غيبية أقيم المجلس واستمر حتى اليوم مضاءً قنديله وفاتحاً ابوابه لكل عائدٍ لرحاب الدين مجددًا عقد البيعة وعهد المحبة لآل البيت الأطهار (عليهم السلام).

 

اعمال فنية

وفي مجال العمل المسرحي فله دوره في هذه الحسينيات، ففي أغلب المناسبات الدينية هناك مشاهد تتعلق بالمناسبة، وأحيانا يتم ربطها بالحاضر، فالعرض المسرحي لا يخلو من العِبر والحكم، التي من الممكن أن يستفاد منها الحاضر، كما أن تفاعل الجمهور مع المصيبة يزداد تأثرا بما يراه.