في واقعة الطف الكثير من العبر والدروس فهي تصلح لكل أنواع الفنون الأدبية من شعر ونثر وقصة، كما تصلح أن تكون فنا مرئيا فيلما أو مسرحية أو أفلام كارتون للصغار، فقضية الحسين (عليه السلام) أهداف تربوية واجتماعية تحاكي عقل المتلقي لأنها تنطوي على ملحمة كبيرة من ضروب الشجاعة والتضحية المنزه من الغايات المادية، وغالبية الأطفال يستمتعون بقصص الانبياء ومشاهدها الرائعة من خلال بثها لأفلام الكارتون والرسوم المتحركة والانميشن التي تجسد تلك الشخصيات بأسلوب غاية في الجمال والبساطة في طرح أهم قضية في تاريخ البشرية.

ومن المؤكد أن واقعة كربلاء صالحة بكل معاني التضحية والايثار أن تكون قصة ثرية أو سلسلة قصص للأطفال؟ عن هذا التساؤل استطلعنا آراء المختصين في كتابة قصص الأطفال والتربويين في هذا المجال.

 

مادة ثرية

يشير الإعلامي ورئيس تحرير شمس الصباح إلى أن في الإسلام وفي القرآن على وجه الخصوص مادة ثرية تصلح أن تكون روايات وقصصا للأطفال لما فيها من دروس وعبر وامكانيات أدبية تروى لهم بصورة مبسطة، وفي السيرة النبوية وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) ما يثري ويغني أي كاتب عن إملاء صفحات غاية في الرقي والفن عن قصصهم وما تشكل تلك القصص من حكايات ودروس عن الشجاعة والصبر وحب العمل والخير والالتزام والعفو والتسامح والامانة ما تغني في تربية الطفل وتقويمه في الوقت الذي تشكل فيه أهدافا سامية في التربية.

ولو نظرنا إلى قضية الحسين وما انطوت عليه صفحات الطف من مآس والآم وعِبر لوجدنا فيها ما يحقق أهدافا تربوية اسلامية بجوانبها الروحية والاجتماعية والاخلاقية وتميزت عن سواها من الواقع والقصص القرآنية إلى ثبوت الوقائع المسرودة وعظمة الشخوص والأحداث والدروس التي تجسدت في التضحية والايثار والتمسك بالحق ونبذ الباطل، وعليه تكون واقعة كربلاء رواية متكاملة لتحقيق الغايات التربوية المنشودة لتربية الطفل وتدريبه على الاخلاق القرآنية والمعاني الانسانية الخالدة.

 

وسيلة للتربية والتقويم

الكاتب "يوسف المحمداوي" بين من خلال حديثه عن قصص الأطفال إن الاسلام وما تمخض عنه من روايات للشجاعة والكرم والتمسك بالقيم الدينية وحب الله والدفاع عن الاسلام والبطولات التي جسدها القادة المسلمون في الحروب لأجل نشر الاسلام، فأنه لم يهمل القصة كوسيلة تربوية وقد ادرك الكتاب لاسيما كتاب قصص الأطفال ما للقصة من تأثير ساحر على العقول والقلوب فاستثمروها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم لاسيما القصص التاريخية الواقعية المتمثلة في الانبياء والرسل وقصص أبطال التاريخ والمعارك الاسلامية والفتوحات التي أحبها الكبار والصغار وصارت مادة فنية وأدبية للكثير من الأقلام التي جسدتها في رواياتهم وقصصهم، فكيف لا تصلح قضية الحسين ووقائع ما حدث في كربلاء لتكون مجموعة قصص غنية تروى أو تشاهد مرئيا للأطفال ليستقوا منها مكانة أبي عبد الله (عليه السلام) وتضحيات أهل بيته وأصحابه ضد الباطل والكفر، فهي مادة قصصية غنية لما تحمله من صفات أخلاقية في البطولة والتضحية وغيرها من الصفات والأخلاق الاسلامية العالية.

 

فضائل انسانية

بدوره حمّل القاص والاعلامي سهيل طه ياسين كتاب القصة مسؤولية ابراز الجانب الانساني والتربوي في قصة الحسين (عليه السلام) فواقعة الطف على حد رأيه تصلح قصة غنية للأطفال، لما لها من معان سامية عظيمة ونبيلة في الدفاع عن الحق والتضحية في سبيله. 

ونظرا لطبيعة الفئة العمرية الموجهة إليهم القصة وبوصفهم من النشء الصغير، يقتضي سردها بأسلوب مبسط وسلس وقريب الى مدارك الطفل وبعيدة عن اجواء القتل ومظاهر الدم، وما الى ذلك من مشاهد عنيفة ودموية، والتأكيد على ابراز القيم العظيمة والفضائل الانسانية الكبيرة.

 

فنون ادبية

أدب الاطفال لا يمكن الاستهانة به أبدا وإعداد ثقافة الأطفال من الصعوبة التي يمكننا فيه الوصول إلى روح وضمير ووجدان الأطفال هذا ما عبر عنه القاص نزار الحسني مؤكدا إن الأطفال عموما يحبون الحسين (عليه السلام) ويستمتعون بمجالس ومواكب العزاء الحسينية فهم يفهمون جيدا ماذا حدث في العاشر من محرم من خلال السرد القصصي لأجدادهم وآبائهم للواقعة، ولهذا السرد تأثير كبير عليهم لتعلق الأطفال بتلك الحادثة، فالطفل على وجه الخصوص يعشق القصة المروية والصورة الجذابة التي تعيش في ذاكرته.

ولكن يبرز السؤال ما هي الطريقة التي نروي من خلالها قضية كربلاء للأطفال؟ لهذا نلفت إلى مراعاة الخصائص الشخصية للطفل لنحقق الهدف المهم من رواية القصة، فالتاريخية على حد تعبيره، تتطلب اسلوبا خاصا لتروى للأطفال لأنهم يعتزون بالقصص التراثية والحكايات القديمة

وقضية عاشوراء تصلح بشكل محبب لتكون قصة للأطفال سواء عن طريق السرد المباشر أم المسرحي

 

دروس وثقافات

عبر القاص والشاعر حسين الخزعلي عن موضوعة قصة الطف بأنها واقعة تصلح للقصص، وليست قصة واحدة للأطفال، شرط أن يتعامل معها كاتب أطفال ماهر ملم بشروط الكتابة للطفل، فالحسين (عليه السلام) لم يرسم سيناريو قصة استشهاده المؤثرة، لكي نبكي عليها، ونلطم الصدور فقط، إنما لكي نتمثلها ونرويها لأجيالنا جيلاً بعد جيل؛ كي يأخذوا منه الدروس والعبر الكثيرة، دروس الشجاعة، ورفض الظلم، والصمود بوجه الطغاة، والصبر على الشدائد والصعاب، والتضحية والإيثار، والوفاء بالعهود، وهي قيم يحرص كتاب الأطفال على تضمينها في نصوصهم على مدى العصور.

 

عطاءات

واستدرك الكاتب أنور الهادي "بأن واقعة الطف مؤطرة بالمفاهيم والأفكار والمثل العليا التي تصلح لكل أمة أو فرد وقل ما تجد اسطورة أو حقيقة تلامس العطاءات التي بذلت في كربلاء.

وأنا أدعو كل الأدباء والكتاب إلى تهذيب الأفكار وبلورتها بما يلائم مصطلحات ومدركات الأطفال وتقديم رؤيا انسانية لواقعة الطف اذا ما أرادوا أن يغيروا وتخلد أعمالهم، فالواقعة الخالدة تخلد كل من قاربها ولو بالأفكار أو الولاء كما القمر الذي يضيء بنور الشمس وهو صخر أصم فكيف نتحدث عن الرحمة ولا نضرب مثالاً عن بكاء الحسين على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بعد قتله وكيف نتحدث عن الشجاعة والوفاء ولا نذكر ابا الفضل، إلى متى نستورد الأبطال ونهمل أبطالنا وقدواتنا، الذي تفوق إنسانيته كل الصفات فهو إنسان محب وناشر للحب وإن قتلهم الآخر فهذه هي الثقافة القرآنية التي يقول عنها القرآن على لسان هابيل حينما أراد قتله قابيل: " لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ"

 


صالحة لكل الاجيال

وتتحدث الروائية منى سعيد الطاهر بشفافية لتقول: "أبا عبد الله (عليه السلام) أراد أن يوصل مفاهيم هذه النهضة إلى أرجاء العالم وإلى جميع الشرائح المجتمعية بما فيهم الأطفال، فهو الذي أوصل الفكرة وسردها قبل أن يوصلها أحد وكتب سيناريو القصة ورواهـــا إلى الكبار والصغار وأراد أن يحقق فيها غايات وأهدافا ومعاني تكون عبرا ودروسا لنا جميعـــا، وهي قصة فنية رصينة ومتكاملة وتصلح لكل الاجيال والاوقات