تلاثي الأبعاد


يقع على الإعلام دور ومسؤولية كبيرة في تطوير المجتمع وبنائه، لما له من تأثير مهول في صناعة الفرد واستقطاب الشباب وتوجيههم لما يتم بثّه من أفكار وخطابات ممولة أو مدفوعة من قبل جهات معينة أو مختصة والهدف أما الارتقاء بمستوى الذات أو تدميرها من خلال التحكم في صناعة القدوة، للقوارير بحثتْ عن الاجابة.

 

التوجيه الديني

تحدث الشيخ سعد الحسناوي قائلا: "قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ"، وقال نبي الله الأكرم: (كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ).

إن الآية القرآنية والحديث الشريف، يؤكدان على جانب المسؤولية وحث الفرد عليها؛ فالأب والأم يأخذان دور المسؤولية وما يترتب عليها من حقوق وواجبات تجاه بعضهم البعض وتجاه العائلة والأبناء، وهذا الدور لا يقتصر على الجانب المادي فقط من توفير مستلزمات وحاجات المعيشة والرفاهية، بل له منحى أخر يقع على عاتق الأبوين وعليهم أن يتقنوا دور المسؤولية ويؤدوا المهام التي أوكلها الله إليهم.

فالتربية كلمة واسعة لا يمكن تحديدها بنقاط أو جمل معينة لكن يمكن القول (كل شيء يهدف لإصلاح ورقي الأطفال والأبناء يدخل تحت مسمى التربية)، وذلك بدءاً من اختيار شريك الحياة وتسمية الطفل انتهاءً إلى بناءه دينياً وعلمياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً، كما إن هناك دور آخر على الأهل الالتفات إليه هو كيفية اختيار نموذج صالح يقتدي به الطفل ويسير على خطاه لإكمال مسيرة حياته، وخير قدوة صالحة هم أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، ويقع على الوالدين أنفسهم أن يتبنوا هذا المثال الصالح من خلال (حسن المعاملة، والتحلي بالصبر والاخلاق، والعطف والرحمة، ومساعدة الأخرين، وأداء الصلوات والواجبات التي أمرنا الله بها).

وأضاف: " إن ما يصنعه الإعلام من نماذج غير سوية لا تمت بأخلاق الاسلام ولا العرف الاجتماعي بصلة وقيامهم بسلوكيات وأفعال خارجة عن أطار المجتمع العربي الاسلامي وتحكمهم في صناعة قدوة سيئة، أدى إلى صراع كبير بين أفكارهم والتربية الصحيحة والخلق القويم فخلق بيئة متزعزة مجردة من القيم والدين، فعلى الأهل تكثيف جهودهم وتكعيب دورهم في تربية أولادهم للتصدي لهذه الهجمات المتطرفة وللحفاظ على منهجية المجتمع السليم والقويم.

 

نافذة القانون

وعن رأي القانون قال المحامي منير الفتلاوي: "عند الحديث عن الإعلام العربي أو العراقي بصورة خاصة نجد أن هناك أزمة كبيرة يعيشها العراق تجاه الإعلام متمثلة في المستوى الهابط في المحتوى التلفزيوني والإذاعي لأنه اصبح منقسما باتجاهات متعددة: عرقية، مذهبية، قومية، وسياسية، ووجدناه غير مستقر في الطرح للجمهور، وهذه الانقسامات اتجهت باتجاه واحد وهو المصالح وبطبيعة الحال هذا لا يعود للإعلام نفسه لاسيما أن الإعلام العراقي يضم مجموعة كبيرة من الشخصيات المهمة التي لها ثقلها في المجتمع بل يعود لتوجهات متطرفة للمؤسسات الإعلامية التي بدأت بانضمام شخصيات ليست كفوءة أو مناسبة لتصدر أفكارها للمجتمع وهذا بطبيعة الحال يعود سلبا على أفراد المجتمع وتأثرهم السلبي والاقتداء بهذه الشخصيات، وبدأت مؤخرا وزارة الداخلية بإنشاء منصة لمحاربة المحتوى الهابط، بدعم ومساندة من القضاء و تشكلت لجنة من الوزارة ذاتها للعمل على ذلك فبعض الإعلام يشكل خطرا على الأسرة ويهدد بناءها، فقد أصبح يصنع ثقافة الأبناء وحتى شخصياتهم ويتحكم في مزاجهم وعواطفهم وطريقة تفكيرهم.

 

رؤية أسرية

وللاستشارية زهراء عبد الرسول رأيها المفصل فتحدثتْ: "خلال السنوات الماضية تزايدت أعداد القنوات الفضائية بشكل لافت للنظر، كما وكثُرت مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لاحظنا ما افرزته بعض وسائل الإعلام من نشر ثقافات وأفكار مضللة لتحقيق مآربها، والتي ساهمت في تغيير عدد من المفاهيم لدى أبنائنا بالأخص فئتي الأطفال والشباب ومنها مفهوم القدوة، من خلال ما تبثه من أفلام الكارتون والبرامج الاذاعية والتلفزيونية، فلم تعد نماذج القدوة للجيل الحالي كما هي عليه عند الجيل السابق والتي كانت تتمثل في شخصيات القادة التاريخيين والعلماء والكتّاب والشعراء وغيرهم من الشخصيات المرموقة في المجتمع، فوسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في صناعة قدوات مزيفة كالمغنين والممثلين وغيرهم تحت مسمى نجوم الفن! وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة قيام بعض وسائل الاعلام بالإضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج الى بعض الشخصيات السلبية وجعلهم كمشاهير لكسب المشاهدات والمتابعة! والتي زعزعت القيم وهذا ما جعل الأطفال والشباب يسعون إلى الانسياق الأعمى لتلك النماذج ويتخذونها قدوة لهم في المظهر وتسريحات وقصات الشعر وحتى في العقيدة والفكر! لذا يقع على عاتق الاعلام الهادف السعي الى تسليط الضوء على الشخصيات الناجحة والكفوءة في المجتمع، ومحاربة الأفكار الضالة، وأيضاً للأسرة وبالأخص الوالدين الدور الأكبر في تصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة التي يشاهدها الأبناء وان يكونا قدوة حسنة لأبنائهما في سلوكهما".

أصبح الإعلام أداة رئيسة للتحكم بمعايير المجتمع، وله أهمية كبيرة في إبراز النماذج الرائدة للارتقاء به ومنع انحداره للسقوط بالهاوية، لذا يجب على كل أسرة دراسة النماذج الإعلامية التي يتابعها أولادهم وبما تحمل من أفكار وثقافات التي من ممكن أن تسيء لذات الإنسانية فالدور الأهل يكون كسيطرة نوعية على مشاهدات ابنائهم.