كثرت التنظيرات عن بنية النصّ منذ الصيرورة الحكائيّة الأولى مع المدوّنات الملحميّة والأسطوريّة والمسرحيّة الإغريقيّة حتى السرديّات المعاصرة ومع تمظهرات الغنائيّة الإغريقيّة حتى العمود الشعريّ العربيّ وصولًا إلى الأشكال الشعريّة المعاصرة، وقد خصّصت مجلة (Tel-Quel) الفرنسيّة في ستّينيّات القرن المنصرم دراسات عديدة تعاقب على كتابتها (رولان بارت) و(جاك دريدا) و(جوليا كريستيفيا) حول النسيج المادّي للنصّ، فالمُنظّر الفرنسيّ (رولان بارت) يرى "أنّ النصّ، في المفهوم الحديث ليس بالضرورة النصّ الأدبيّ بالمفهوم المتداول، بل إن الإيقاع الموسيقيّ نصّ واللوحة الزيتيّة نصّ والفيلم السينمائيّ نصّ وهلمّ جرًّا"، والحقيقة أنّ المؤلّف غير معنيّ بالتعريفات المحدّدة للنصّ، بل بالبنية التشكيليّة وتحوّلاتها ثمّ عقدت المقاربات البنيويّة ما بين النصّ والخطاب، وقد اختلفت بل تصادمت الآراء حول مديات التقارب والاختلاف، لذا لن أقف قبالة هذه الآراء المتنافرة المتقاربة، بل ستكون التحوّلات الجماليّة للنصّ بنية الفصل.

مع تمظهرات الحداثة السرديّة مطلع القرن المنصرم سعت المناهج الجديدة مثل الشكلانيّة الروسيّة والبنيويّة إلى وضع منهجيّتها التقعيديّة للنصّ الجديد بوساطة الفصل ما بين المتن الحكائيّ الذي يحكم السيطرة على البنية الحكائيّة على وفق بنيتها الفيزياويّة والمبنى الحكائيّ الذي يعيد تشكيل الحكاية على وفق هندسة معماريّة تفكّك الزمن الفيزياويّ وتعيد تشكيله حتى تمظهرت الأنساق السرديّة مثل النسق المتوازي والمتناوب والدائريّ والمتداخل فضلًا عن تقانتي الاسترجاع والاستشراف، ليس هذا فحسب، بل عمدت إلى البحث في جماليّات وجهة النظر السرديّة وتموقعات الراوي، فمرّة يكون السارد العليم من خارج الأحداث ومرّة يكون مساوٍ للشخصيّة في بنية الحدث ومرّة أخرى أقلّ من الشخصيّة في بنية الحدث، في حين وضع الشكلانيّ الروسيّ (توما شفسكي) نظريّة الحوافز التي ساهمت في التشكيل الحديث للمعمار السرديّ، إذ يرى "إن السرد برمّته يُعدّ غرضًا وكلّ غرض يتكوّن من وحدات كبرى وصغرى غير قابلة للتجزئة، في حين تُعدّ الوحدات الصغرى هي الحوافز التي تتشكّل منها جمل الحكي"، والحوافز تُقسَم على نوعين، حوافز مشتركة إذا سقطت اختل البناء السرديّ وحوافز حرّة إذا سقطت لن يختل معمار البناء.

ولم تكتفِ الدراسات بما ورد ذكره بل انفتحت مع طروحات الفرنسيّ (جيرارد جينت) إلى تنظيرات النصوص الموازية والعتبات السرديّة والمناصّات بوصفها نصوصًا تشكّل منظومة متآزرة متعاضدة مع النصّ الأصليّ تفتح مفازات التأويل وتعدّدية المعنى وتوافقيّة الدلالة واعتباطيّتها.

ومع بزوغ سرديّات ما بعد الحداثة التي تخلّت عن الطروحات السالفة للحداثة، إذ شهدت الموضوعات سرديّات الجندر وما بعد الكولونياليّة وما بعد النسويّة والهوامش، في حين شهدت المباني السرد الهجين والمتناثر والفسيفساء والميتاسرد، فالنصّ في سيرورة سائلة لا تخضع للسائد أبدًا.

أمّا الشعر فقد شهد هو الآخر تحوّلات كبيرة، فالقصيدة العربيّة مثالًا لم تكتفِ بتشكيل مهيمن، بل تحوّلت المباني وتعدّدت المعاني، وما العمود بتمثّلاته العديدة والتفعيلة والنثر إلّا مصداق لذلك، لذا نلحظ انفتاح النصّ الشعريّ على نصوص جماليّة محايثة منها التشكيل والمسرح والسينما، والعلاقة بين السينما والشعر علاقة متداخلة بين الجنسين، فتارة نلحظ توظيف التراكيب البصريّة السينمائيّة لتقانات القصيدة، وتارة أخرى يوظّف النصّ الشعريّ تقانات السينما شعريًّا، وتارة نلحظ توظيف البنية الدرامية وتارة أخرى توظيف البنية التشكيلية فالذات الإنسانيّة تجنح نحو المغايرة والاختلاف دومًا ممّا يمنحها طاقة تجريب مائزة.

 

 

1)     حسين خمري، نظرية النص، الجزائر، منشورات الاختلاف، 2007.

2)     مجموعة من الأدباء الروس، نظرية المنهج الشكلي، تر: إبراهيم الخطيب، بيروت، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، 1984.