ثمة مدرستان مختلفتان شغلتا الفكر الفلسفي في صيرورته السالفة، مدرسة جعلت من الفكر والتفكر والمعرفة والفلسفة ميدانها الخصب في اثينا والثانية جعلت من الجسد مفهومها الاوحد في اسبارطة، مدرسة اثينا استغرق رجالها في طرح السؤال الفلسفي الأول تجاه الوجود والموجود وأعطوا للفكر الهيمنة الكبرى، فقد دعا أفلاطون في كتابه الجمهورية إلى العزلة والتأمل والزهد في حين ذهبت أسبارطة إلى التدريبات الشاقة التي تنمي الجسد من أجل مجتمع عسكري ينخرط في القتال.

وإذا أشتهر الفلاسفة السالفين بما ورد ذكره ، فأن فلاسفة القرون الوسطى والفلسفة الحديثة أغرقوا في العزلة واللا جدوى والعدمية، فقد مات (شوبنهاور) وحيداً غارقاً في فلسفته التشاؤمية وأصيب (نيتشه) بانهيار عقلي وأمتنع (سيوران) عن ملاقاة الجمهور ورفض الإعلام، والتساؤل الذي يطرح، ما جدوى الفكر والمعرفة إذا كان يؤدي ألأى الجنون والعزلة والإلحاد؟

لو تأملنا كلمات الله عز وجل في القران الكريم نجدها تدعو إلى الرقي بالجسد من خلال المعرفة الحقة التي تنمي الجسد وترتقي به من إدرانه، إذ  يقول عز من قائل  في سورة البقرة "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا  وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" ، فالحكمة هي المقابل لمفهوم للفلسفة، والحكمة على وفق المفهوم الالهي مرتبطة بالخير الكثير، وهذا الخير لا يتحقق مطلقاً لا من خلال العزلة ولا من خلال العدمية واللا جدوى؛ بل من خلال توظيف المعرفة والفكر المتلازمتان مع صحة الجسد في ما ينفع الانسانية بوساطة العمل الصالح الذي يمكث في الأرض والعلم الذي يرتقي بالوعي ويجفف مناسيب الجهل.

من خلال ما تقدم لابد للمسلم الحقيقي أن يوظف قراءته للرقي بالجسد من جهة وبمحيطه الاجتماعي من جهة أخرى، فالقراءة معراج الصحة لو كانت منابعها رصينة، منابع فلسفية تدعو إلى السمو بالذات والجماعة، فمثلا (ارسطو) يعرف التراجيديا على أنها محاكاة لفعل نبيل كامل؛ فالنبل هو الغاية التي ينتهجها الفلاسفة الباحثين عن سعادة الاخر لا كما يقول سارتر الاخرون هم الجحيم، فيما ذهب رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه واله الى قيمة الانسان العليا المتمظهرة من خلال السلوك الجمعي حينما قال "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".

لذا يجب على المسلم المهتدي بنور محمد وال محمد ان يتخذ من القراءة معراجاً روحياً يرتقي بجسده ووعيه ومحيطه؛ لكن بلحاظ الابتعاد عن الكتب التي تدعو إلى العدمية والتشاؤم والوجودية والإلحاد، فهي وأن حطمت علاقتك الرصينة بمعتقداتك الروحية ستقودك إلى أفكار مثل الانتحار والجريمة، فلتتجه أرادتنا إلى علوم أهل البيت وإلى العلوم التي تسمو بالذات الانسانية إلى المثل العليا التي تحقق كينونتها الحقيقية.

د. عمار إبراهيم الياسري